رسائل عراقية للعالم


يقال إن الغريق يتعلق بقشة، عله يجد فيها النجاة من الموت. وهكذا تبدو حال العراقيين هذه الأيام؛ الذين طرقوا كل أبواب الدنيا لعلهم يجدون باباً يمكنهم من خلاله التخلص من مأساتهم المرعبة، أو على الأقل تخفيف وطأتها عليهم.
مشاهد وصور الرعب المبثوثة في زوايا البلاد، حوّلت حياة المواطنين العراقيين إلى جحيم لا يُطاق. وعلى الرغم من الأمن النسبي الموجود في بعض المناطق، إلا أننا أمام حالة من عسكرة المجتمع وفوضى القوة، وتغول البنادق غير الرسمية وتنوعها في غالبية البلاد. لذلك، لا يمكن نكران أن الدولة -في ظل هكذا أوضاع- ستكون شبه غائبة، وأنها -كما هو واقع الحال- ستكون عاجزة عن بسط الأمن والنظام، لأن فوضى السلاح والقوى ينتج عنها خراب قانوني وانهيار أمني.
وصلتني، منذ عدة أيام، أكثر من أربع رسائل من عراقيين يمكن القول إنهم يمثلون بعض نماذج الألم والعذاب المنتشرة في البلاد، وطالبوني فيها بالكتابة عن مأساتهم. وحقاً لا يمكنني تجاهل طلباتهم، لأنني أشعر أنه جزء من واجبي تجاه بلدي وأهلي. وهنا أحاول اختيار بعضها.
الرسالة الأولى وصلتني من مدينة المقدادية (90 كم شمال شرق بغداد)، بمحافظة ديالى المختطفة من قبل المليشيات. وحملت الرسالة توقيع السيد "ع. القرة غولي"، وهو شقيق المغدور "ق. القرة غولي".
يقول "القرة غولي" في رسالته: "نريدك أن تسلط الضوء على ديالى وخاصة قضاء المقدادية، لأن المليشيات دمرت الناس. في كل يوم هناك ما لا يقل عن خمسة أبرياء يقتلون بدم بارد. والقتلة يستقلون سيارات حكومية، وغالبية الجرائم تتم على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية".
ويبين القرة غولي: "أنا لي أخ صاحب محل لبيع الأجهزة الخلوية (موبايلات) قتلته المليشيات الأسبوع الماضي داخل محله الذي يبعد عن السيطرة الأمنية 100 متر فقط، ولم تحرك ساكناً". ويختم رسالته بالقول: "أهالي المقدادية (شهربان)  يُذبحون ويُهجرون ويُعذبون ولا بواكي لهم ولا أحد يدافع عنهم. أنقذوا ما تبقى من أهلنا من جرائم المليشيات". وأرفق مع رسالته صورة لأخيه المغدور وهو يحمل طفله.
الرسالة الثانية وصلتني من مواطن من أهالي الطارمية، اسمه "أ. المشهداني"، وأرفق معها صورة لمواطن من منطقته، تظهر عليه آثار التعذيب الجسدي. ويذكر في رسالته: "أهالي مناطق حزام بغداد صاروا ضحية الإرهاب الحكومي. والقوات الأمنية في تلك المناطق هي من المليشيات التي تنفذ جرائمها بملابس وصفة رسمية". ويبين أن "صور الإرهاب كثيرة، منها: التعذيب والاغتيالات المنظمة والاعتقالات العشوائية والتغييب في سجون غير نظامية ومساومة أهالي المحتجزين والمختطفين بمبالغ خيالية وممارسة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي كافة. بل وصل الأمر درجة المطالبة الصريحة بمغادرة المناطق والهجرة إلى محافظات أخرى".
هاتان الرسالتان أظن أن فيهما من الألم ما يكفي. لكن في الوقت ذاته، لا يمكن لمن يملك ذرة من إيمان وصبر وعقل وحياء أن يغض الطرف عن الجرائم اليومية في الفلوجة وعلى حدودها. ورأينا كيف أن وسائل الإعلام نقلت لنا صوراً لعنصر من الحشد الشعبي وهو يحمل العصا، ويضرب العديد من أهالي الفلوجة المطروحين أرضاً، ويطلب منهم أن يقولوا: "إن رجال الفلوجة نساء". وكذلك رأينا صوراً لبعض مقاتلي الحشد الشعبي وهم يضربون رجلاً مسنا من أهالي الكرمة، وبعدها عرفنا أن الرجل "المعتقل" مختل عقليا. وهذا يعني أنه حتى المختلون عقليا لم يسلموا من بطش المليشيات!
إنها رسائل واضحة للعالم: أنقذوا العراقيين قبل أن يأتي يوم لا يعود هناك بلد يسمى العراق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى