الخطاب الطائفي في العراق.. لماذا؟





تُعد الطائفية من أكبر المؤامرات وأخطرها التي حيكت بدقة ومكر ضد العراقيين. وقد بدأت المؤامرة الطائفية في العراق في مرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي العام 2003، وتحديدا في مؤتمري لندن وصلاح الدين، حينما تم تقسيم العراقيين إلى سُنّة وشيعة وأكراد وأقليات وأكثرية. من يومها بدأت سوسة الطائفية تنخر بعقول وأفكار وخطابات غالبية السياسيين، وفي عقول نسبة لا يمكن تحديدها بسهولة من العراقيين.
بعد الاحتلال، ونتيجة للصدمة الكبرى، تضاءل أو انخفض صوت الخطاب الطائفي. لكن الأشرار لم يتركوا هذه الحالة الإيجابية، فافتعلوا تفجير المرقدين في سامراء في 22/ 2/ 2006، وكان ما كان من أفعال إجرامية نفذتها المليشيات وهي تردد شعاراتها الطائفية. ومن يومها بدأت أشباح الطائفية والمذهبية تتغول وتنمو في ربوع العراق، وبالذات في الوسط والجنوب، ورأينا أن المليشيات صارت ظاهرة واضحة في صفوف الأجهزة الأمنية، باعتراف قيادة قوات الاحتلال الأميركية حينها، وقد ارتكبت عشرات الجرائم؛ إذ اختطفوا الرجال والنساء والأطفال، وساوموا ذويهم. وفي الغالب كانوا يأخذون الفدية ويقتلون الضحية. ولا بد أن ننوه إلى أن الاحتلال الأميركي كان على علم واطلاع بكل تلك الجرائم.
استمرت هذه الحالة بدرجات متفاوتة إلى أن ركدت في بعض المراحل، نتيجة لتنامي الصحوة الفكرية عند نسبة ليست قليلة من العراقيين، رأوا أن غالبية السياسيين يريدون تمزيق البلاد للسيطرة والبقاء أطول مدة ممكنة في الحكم.
ويبدو أن استمرار حالة التلاحم المجتمعي لم تعجب أعداء العراقيين؛ لهذا رأينا أن النفس الطائفي عاد ثانية منذ مرحلة المظاهرات في المحافظات الست المنتفضة، والتي تهكم عليها وهددها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وانتهت تلك المظاهرات بصورة مخجلة نتيجة استخدام الإرهاب في ضربها ونحرها على الرغم من سلميتها. 
بعد ذلك توالت الأحداث، وسيطر تنظيم "داعش" على الأنبار والموصل وأجزاء كبيرة من صلاح الدين. ثم شُكل "الحشد الشعبي" الذي ارتكب عشرات الجرائم، منها ما عرضته محطة "ABC" الأميركية في آذار (مارس) 2015، حيث ظهر رجال مدنيون عزلاً يرتدون الدشداشة العربية، ثم قتلتهم المليشيات بدم بارد. كما ظهر طفل لا يتجاوز عمره الـ13 عاماً، تقتلته المليشيات على اعتبار أنه من "داعش".
اليوم، وفي معركة الفلوجة المستمرة، عادت الأبواق الطائفية لتعلو من جديد. منها أصوات رسمية، مثل نوري المالكي، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس "الحشد الشعبي"، وأوس الخفاجي زعيم مليشيات "أبو الفضل العباس"، وغيرهم الكثير. والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا هذا الخطاب الطائفي؟ ويمكن الإجابة عن ذلك بالآتي:
الكثير من لاعبي العملية السياسية أيقنوا أن اللعبة السياسية بان عوارها، وأنها لم تعد تقنع العراقيين. لهذا رأينا هذا التصعيد في الخطاب الطائفي مع انطلاق المعركة، لإشغال الجماهير الغاضبة في أكثر من محافظة عن الفشل السياسي، والتركيز على العزف على الوتر الطائفي، لعلهم يغيرون بوصلة الغضب نحو الطائفية بدلاً من الإصلاح وبناء الدولة.
أيضاً، فإن الخطاب الطائفي يُخدر الفكر الإنساني ولا يجعله ينظر للأمور من منظار صحيح، وهكذا يمكن أن نقلب الطاولة -وهذا منطق السياسيين- ونركبها ثانية بالشكل الذي يخدم اللعبة السياسية. كما أن سبيل الطائفية يُعد من أقصر الطرق لإجهاض المظاهرات المستمرة في عموم البلاد، والدليل أنه حتى زعيم التيار الصدري اعترف قبل يومين بضعف المشاركة الشعبية في المظاهرات الأخيرة، وعليه ربما نجح هؤلاء في مهمتهم.
ولا ننسى دور الخطاب الطائفي في تحشيد الشارع عسكرياً، وازدياد أعداد المتطوعين للقتال، بما يمكن أن يعطي دعماً للمعركة بشكل أو بآخر، على اعتبار أن ردة فعل عوائل الذين سيقتلون في المعركة -وهم حتى الآن بالمئات- ستكون أقل حدة لأنهم متطوعون لبوا نداء المرجعية.
والأهم من هذه الأسباب هو التوطئة أو التمهيد للمؤامرة الخارجية الداخلية التي يراد منها تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم (سني، وشيعي، وكردي)، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف التدميري للعراق إلا عبر ثوب الطائفية الممزق.
هذه الأسباب وغيرها أرادوا بها النيل من الوطن بحجج مذهبية وطائفية. والحق أنهم منفذون لأجندات خارجية مرسومة مسبقاً، ولا يحبون العراق؛ لأن من يحب العراق لا يمكن أن يعمل على تدميره وضربه وتقسيمه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى