انهيار سدود المنطقة الخضراء




في ظل تطورات الأحداث السياسية والشعبية في بلاد الرافدين، عاد السفير الأميركي لدى العراق ستيوارت جونز، يوم الأحد الماضي، للتحذير من انهيار سد الموصل. وأكد على ضرورة "الاستعداد لاحتمالية أزمة وكارثة في حالة انهيار السد".
ومع تحذيرات السفير الأميركي، أعتقد أن هناك العديد من السدود في داخل العراق ستواجه خطر الانهيار، منها سدود بوابات المنطقة الخضراء المحصنة، التي صارت قاب قوسين أو أدنى من الجماهير المطالبة بإصلاحات حقيقية وليست شكلية في البلاد.
منذ عدة أشهر، دخل التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر على خط المظاهرات التي سبق أن نظمها التيار المدني في أكثر من خمس محافظات في وسط العراق وجنوبه. وفي هذه الأثناء، أثار العديد من المتابعين للشأن العراقي مجموعة أسئلة حول الأهداف الحقيقية لتدخل التيار الصدري في الحراك الشعبي، وهو (التيار) جزء من العملية السياسية. إذ تساءلوا: هل هذه الهبة الصدرية حقيقية، أم لتحقيق مآرب ومطامع سياسية، ثم بعد ذلك يعود كل شي إلى ما كان؟! وهل هذا الحراك يؤكد حقيقة الانشقاقات داخل "التحالف الوطني" الشيعي، أم هو تبادل للأدوار بين أعضاء التحالف؟
قراءة واقع المظاهرات اليوم يؤكد أن الحراك الصدري ألهب الشارع العراقي، وأن خطوة الاعتصام المفتوح أمام بوابات ومداخل المنطقة الخضراء هي -بحد ذاتها- خطوة جريئة، تفتح الباب على مصراعيه للكثير من الفرضيات المتوقعة وغير المتوقعة. وجميع هذه الفعاليات تزيد من احتمالية تغيير واقع الحال نحو الأفضل، ولو بعد حين.
ومع كل هذه الفرضيات، فإن المتابعين لسياسات التيار الصدري لاحظوا أن التيار لم يثبت في العديد من مواقفه السياسية السابقة، بل استخدم "سياسات التهديد والمظاهرات" لتحقيق مآرب سياسية وميدانية، وبالمحصلة يتراجع عن هذه المواقف. وهو ما حصل في مواقفه من الاحتلال ومقاومته ورفض العملية السياسية، والانسحاب منها، ثم بعد ذلك تغيرت جميع هذه المواقف، وانتقل التيار للضفة الأخرى؛ ضفة العملية السياسية، والدخول في المعترك السياسي.
هذا التخوف ربما يجعلنا نؤكد أن الأيام المقبلة ستشهد تراجعاً عن الاعتصام والعودة إلى العمل السياسي، تماماً كما حصل في التجارب السابقة.
في المقابل، وعلى الصعيد الرسمي، وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، اجتمعت الرئاسات الثلاث وقادة الكتل السياسية السبت الماضي، وقرروا "تشكيل لجنة ممثلة عن المكونات السياسية والرئاسات تتولى متابعة تنفيذ إجراءات الإصلاح والتعديل الوزاري الذي دعا إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال أسبوع، ولمساعدة رئيس الوزراء في إجراء التعديل الوزاري بشكل عاجل وتنشيط عمل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد وتسريع حسم ملفات الهيئات المستقلة".
وعلى الرغم من كل هذه الوعود الحكومية، فإن المتابع الحصيف يمكن أن يحدد قضية في غاية الأهمية، هي أن الحكومة لا تمتلك آلية واضحة للوصول إلى الإصلاح المنشود، لأن الأمر لا يتوقف عند تسمية وزراء تكنوقراط، بل ينبغي أن يكون التغيير وفقاً لسياسة جديدة تنقذ العراق من أوضاعه الآيلة إلى الانهيار في العديد من المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية. وهذه النقلة لا تكون بشعارات لا تستند إلى رؤية واضحة للمشكلة وحجمها، ومراحل التخلص منها أو التقليل من آثارها.
الغضب الجماهيري يتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة لاحتلال العراق، وهذه إشارة واضحة بأن التغيير أو الديمقراطية المستوردة لم تقنع العراقيين، لأنهم لم يروا منها إلا مزيداً من الدمار والقتل والإرهاب والاصطفافات الطائفية والمذهبية والعرقية.
اللعبة السياسية في العراق اليوم على مفترق طرق. وأظن أن غالبية شركاء اليوم سيكشفون المستور ضد بعضهم بعضا في الأيام المقبلة، على الرغم من محاولاتهم الحثيثة للظهور بمظهر "التماسك السياسي" والقدرة على تجاوز المرحلة الحرجة التي يمرون فيها.
العراقيون لن يقتنعوا بوعود لإضاعة الوقت. والأيام المقبلة حبلى بأحداث -ربما- تفوق جميع التوقعات.
انهيار سدود بوابات المنطقة الخضراء في لحظة ما أمر متوقع. لكن ما لا يمكن توقعه هو تداعيات هذا الانهيار، والتي لا يمكن التكهن بها وبنتائجها بسهولة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!