ديمقراطية ومخدرات!



تدمير الشعوب والبلدان لا يكون بالآلة الحربية فقط، بل إن معاول الهدم التي يستخدمها الأعداء -وما أكثرهم- متنوعة ومتفاوتة؛ ربما تستهدف الشعوب بحياتها وقوتها وصحتها، وتدمير أخلاقها وقيمها، وهذا ما حصل في العراق منذ العام 2003.
استخدم الأعداء -من الغرباء والمعارف- أنواع المعاول كافة لهدم المنظومة المجتمعية والأخلاقية. ولا أظن أنهم نجحوا في مجال مثل نجاحهم في كارثة المخدرات التي لم تكن معروفة -إلا نادراً- في عراق ما قبل العام 2003، فأصبحت اليوم ظاهرة مجتمعية، وبالذات في مدن جنوب العراق ووسطه!
وتعد المخدرات اليوم من التحديات الصعبة التي تواجه المجتمع العراقي، بسبب غياب أو انشغال أو تواطؤ الأجهزة الأمنية، ما أفسح المجال واسعاً لدول الخراب أن تُغذّي شباب العراق بسموم المخدرات التي صارت أرخص من أي سلعة أخرى. وهذا يؤكد أن هناك دولاً تعمل جاهدة من أجل إشاعة انتشار هذه السموم بين العراقيين!
فقبل أسبوع، أعلنت قيادة شرطة محافظة ذي قار (375 كم جنوب بغداد)، عن اعتقال شبكة كبيرة تعمل في العديد من المحافظات لترويج الأقراص المخدرة، وضبط كمية من نوع "كبتاغون" المعروف محلياً بـ"الكبتي"، وكمية من أقراص مخدر آخر.
وفي نهاية الشهر الأول من العام الحالي، كشفت وزارة الصحة العراقية النقاب "عن حدوث العديد من حالات الوفاة الناجمة عن تعاطي المخدرات، وأن أغلب حالات الوفاة وقعت في محافظة كربلاء، بعدها تأتي محافظات ميسان وبغداد ثم بابل فمحافظة واسط، فيما سجلت الإحصائيات وجود أكثر من 6037 متعاطياً للمخدرات، وبنوعيات مختلفة في المحافظات كافة"!
وهذه الأرقام الحكومية تشمل الذين سجلوا كمدمنين في المستشفيات والمراكز الصحية فقط!
وهذا اعتراف مؤلم يؤكد حجم كارثة المخدرات التي تغزو بلاد الرافدين، وسط انشغال الحكومة بالعبث السياسي، وترك البلاد تتلاعب بها العصابات السياسية والإجرامية!
تعاطي المخدرات لم يتوقف على البالغين، بل وصل الأطفال، ما دفع منظمة "اليونيسف" إلى التحذير في العام 2013 من أن "مشكلة الإدمان على المخدرات تتجه لتصبح ظاهرة متعاظمة ومتفاقمة بين أطفال العراق"، وأن "نسبة مدمني المخدرات بين الأطفال يصل إلى نحو 10 %". فكم هي نسبتهم اليوم؟!
ويمكن أن نحدد أهم أسباب انتشار المخدرات في البلاد بما يلي:
- غياب الرقابة الحكومية، وانشغال الحكومة بالمناكفات السياسية.
- الهروب من الواقع نتيجة الصدمة التي يعيشها المواطن منذ احتلال البلاد وحتى اليوم، وانقلاب الحياة رأساً على عقب، وكأن الناس أمام كابوس وليس حقيقة!
- ضعف الوازع الديني وانتشار الجريمة المنظمة، وتنامي ظاهرة التفكك الأسري في عموم الوطن.
- عدم السيطرة على المنافذ الحدودية، وسهولة تهريب المخدرات للبلاد، وبالذات عن طريق إيران، فضلاً عن تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية مع عصابات المخدرات!
- ازدياد صيدليات الأرصفة التي تبيع بعض الأدوية ذات الاستخدام المزدوج، والتي تحدث الهلوسة، وتعطى لحالات خاصة في المستشفيات، ولا تصرف إلا بوصفة طبية.
- إغراء الأرباح الخيالية لتجارة المخدرات، وارتفاع معدلات البطالة، وبالذات بين الشباب، دفع بعضهم للتجارة بهذه السموم.
- الرفقة السيئة التي تزيّن المخدرات في ظل الخراب النفسي المتنامي في عموم الحياة المدنية.
وهنا لا بد أن نؤكد أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على كاهل الحكومة ثم على العائلة، وعموم المؤسسات الدينية والتعليمية، ومنظمات المجتمع المدني، التي ينبغي أن تعمل مجتمعة لإنقاذ العراق من هذه الآفة المهلكة!
الحقيقة المرة هي أن المخدرات واحدة من ثمرات ديمقراطية القتل والإرهاب والاعتقالات والعصابات المنظمة التي صدّرتها الولايات المتحدة للعراق الذي تتلاطمه اليوم أمواج الفتنة الطائفية وخلافات المحاصصة الحزبية.
ولا يمكن القضاء على هذه الأوبئة المدمرة إلا بحكومة وطنية تحرص على حياة العراقيين وعقولهم وصحتهم وأفكارهم، وتنظر لهم نظرة متساوية بعيداً عن الآفات الطائفية والحزبية التي تحكم بها الحكومات الحالية.
متى سيتنبه العالم لحجم الكارثة العراقية؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!