مفاتيح الوطنية!



المفهوم الحقيقي للوطن لا تمثله مساحة الأرض المحددة وفقاً للاتفاقيات الدولية المعتبرة بين الدول، وإنما هو خيمة تضم مجموعة من الناس تربطهم جملة من المبادئ والقيم المليئة بالعراقة والمحبة والوئام، ولذلك فهو يستحق أن نضحي من أجله بالأرواح والأموال.
ومفهوم الوطن أو الوطنية ربما يكون في زمن العولمة قد تغير بعض الشيء، وصار الانتماء للوطن - عند بعض المواطنين - وَهْم، أو ربما ارتباط قائم وفقاً لميزان ومعادلة الربح والخسارة!
وفي زمن تلاطم الأحداث وتشابك الأزمات تتناحر القيم والمبادئ والآراء، ويكثر الطعن والأحكام السريعة غير المنضبطة، وغير الدقيقة.
واختلاط الأوراق والأفكار، ينتج عنه أزمات فكرية وقرارات بُنيت على أسس غير واضحة، وبالتالي تكون النتيجة ظالمة - في الغالب - وقائمة على تقييمات ضبابية.
وفي زمن الاختلال الفكري، والتسرع في الأحكام على الآخرين، صرنا نسمع من بعض المتسرعين كلمات قذف واتهام لشخصيات أخرى معروفة بمواقفها الواضحة والمبدئية، والسبب هو الاختلاف في النظرة للأمور من الزوايا المتنوعة التي يتابع من خلالها بقية أطراف الحوار.
ومن أكثر الاتهامات التي صرنا نسمعها - منذ سنوات- الاتهام بالخيانة والعمالة لبعض المختلفين معهم، على هذاظرة القاصرة تحتم علينا التكاتف لإيقافها، وبالذات عند الشخصيات المسؤولة في القوى الوطنية المعارضة لمجمل الأوضاع في الساحة العراقية بعد عام 2003.
وقبل أيام جمعتنا المجالس بأحد الوطنيين العراقيين المعروفين بمواقفهم الواضحة والجريئة، وتحدث الرجل عن رأيه في قضية مختلف فيها، ومن حقه  - كصاحب رأي - أن تكون له وجه نظر خاصة، إلا أن الغريب أن بعض الحاضرين تهجموا عليه وكأنه ليس من الصف الوطني، وهذا ظلم للوطن وهذا الرجل!
الاختلاف وارد في كافة القضايا القائمة على الرأي والرأي الآخر، ومحاولة تحجير عقول الآخرين هي محاولة لقتل الروح الوطنية باسم الوطنية، ذلك لأن تطابق الآراء يعني أن هنالك  بعض الأطراف تحافظ على مصالحها، وتبتعد عن مواطن الخلاف والاحتكاك الفكري، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يوصل القضية العراقية إلى حلول واضحة.
الانتماء إلى الوطن يفهم عبر التمسك بالمبادئ الآتية:
1 .  الابتعاد عن مواطن الخيانة والعمالة والتكاتف مع المخربين وأعوانهم.
2 .  التلاحم مع بقية القوى الوطنية والتسامح معها في المواطن التي يمكن الاختلاف فيها.
3 . عدم استباحة دماء المخالفين، ويكون الفيصل في ذلك للقضاء والدولة المبنية على المواطنة.
4. الابتعاد عن مشاريع الاتجار بالقضية، وعدم الانسياق وراء المشاريع الهادفة لتحقيق منافع شخصية بحتة، باسم الوطن والوطنية.
5. الوقوف مع العراق بالمال والموقف والكلمة.
عبر هذه الأسس الدقيقة وغيرها، يمكن أن ننطلق نحو التكاتف الوطني البعيد عن روح الانتقام والظلم.
أما أولئك الذين يعرفون العراق في المجادلات والمجالس الغوغائية فقط، والذين يوزعون مفاتيح الوطنية على  هذا الطرف، أو ذاك، فنقول لهم:
أنتم لستم قضاة، ولا تمتلكون التخويل الكامل للحديث باسم الوطن، لأن العراق ملك للجميع، عدا الخونة والعملاء والقتلة واللصوص!
وللتاريخ نقول: إن السياسات الطائفية المنفذة بعد العام 2003، كانت رافداً مهماً في تغذية الطائفية بين المواطنين، وكانت من أهم أسباب إضعاف الروح الوطنية لدى الكثير من العراقيين، ورغم ذلك لا زلنا نأمل أن تُبعث هذه الروح الوطنية النقية من جديد؛ لأنها هي الهوية الجامعة للجميع، بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية.
وأعجبتني عبارة لكاتب انكليزي وقف خطيباً في إحدى الهيئات الأمريكية فاستبد به الزهو بانتمائه إلى انكلترا، فصرخ قائلاً: لقد ولدت انكليزياً، وعشت انكليزياً، وأرجو أن أموت انكليزياً.
ونحن هنا نقول: لقد ولدنا عراقيين، وعشنا عراقيين، ونرجو أن نموت عراقيين!
تسقيط الآخرين وتخوينهم لا يمكن أن يدعم المشروع الوطني، وعلينا أن نصهر جميع الأفكار والأشخاص في بوتقة الوطن، لنحافظ على ما بقي من عراقنا الحبيب قبل فوات الأوان.
ما أصعب أن نصحو في يوم من الأيام ونجد أنفسنا بلا وطن!





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى