رفاق المناصب والمصالح!


الخلافات صارت هي السمة الأبرز في أروقة حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي. وجميع محاولات إخفاء تلك المناحرات باءت بالفشل، بدليل التصريحات المتبادلة، والتكتلات البرلمانية المساندة أوالمعارضة لشخصيات مهمة داخل الحزب.
منتصف الأسبوع الماضي، وصلت خلافات حزب الدعوة تحت قبة البرلمان ببغداد، دعم نواب الحزب وحلفاؤهم التصويت على قرار سحب التفويض البرلماني لرئيس الحكومة حيدر العبادي؛ عضو الحزب ومرشحه لمنصب رئيس الحكومة. وهذا يُعد -بحد ذاته- اعتراضاً صريحاً على "إصلاحات العبادي" التي لم تُنفذ على أرض الواقع حتى الآن، وانقلاباً حزبياً تاماً عليه، إذ إن الحزب هو الكتلة الأكبر في البرلمان، ويمتلك النفوذ السياسي والعددي لتمرير أي قرار داخل البرلمان، وكان بإمكانه عدم تمرير القرار!
الخلاف مع العبادي ظهر واضحاً في تصريحات زعيم الحزب، نوري المالكي، نهاية الأسبوع الماضي، إذ أبدى "تأييده لسحب التفويض البرلماني" الممنوح للعبادي بعد إعلان إصلاحاته، وفق مبدأ الفصل بين السلطات، وأكد أنه "ما يزال محتفظاً بمنصب نائب رئيس الجمهورية". وسبق للعبادي أن منح المالكي "مهلة ساعات لمغادرة المكاتب التي يشغلها بصفته نائباً لرئيس الجمهورية"، بعد إقالته من هذا المنصب، واتهمه "بتبديد ثروة العراق".
وبالضد من ذلك، أعلن العبادي -رداً على قرار مجلس النواب- أنه "عازم على محاربة الفساد والمفسدين، وعدم التراجع عن ذلك رغم التحديات والعقبات" وأن "محاولات من خسروا امتيازاتهم لن تفلح في إعاقة الإصلاحات أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء".
العبادي الذي أعلن حزمة "إصلاحات" شكلية لم تقنع الجماهير حتى الآن، انتبه اليوم إلى أن وضعه حرج جداً -شعبياً وسياسياً- فحاول الاستعانة بالمرجعيات الشيعية في النجف، حيث التقى السبت الماضي بالرموز الدينية هناك، ومنها اسحق الفياض، وبشير النجفي، ومحمد سعيد الحكيم، ومحمد اليعقوبي، بالإضافة إلى زعيم التيار الصدري، لتخفيف الضغوط الحزبية والسياسية والاقتصادية والشعبية، والاستقواء على بقية الأطراف، عبر الدعم الديني من هؤلاء المراجع، والحصول على مساعدتهم "لإدخال تغييرات على النظام السياسي الذي شجع على الفساد وعدم الكفاءة". ومقابل هذه التجمعات المناوئة للعبادي، هناك تسريبات إعلامية تؤكد "العمل لترتيب تحالف جديد يضم زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، لاستبعاد المالكي، والإبقاء على العبادي". وربما سيتم الإعلان عن هذا "التحالف المدعوم من بعض الدول العربية خلال الأيام القليلة المقبلة". وبحسب التسريبات، فإن الهدف من هذا التحالف الثلاثي هو جمع قوى سياسية شيعية وسنية وكردية من "أجل إنقاذ العراق من وضعه السياسي والاقتصادي المتأزم حالياً".
الخلافات بين العبادي والمالكي وبقية زعماء حزب الدعوة وغيرهم من السياسيين، لم تكن نتيجة حرصهم على مصالح العراق العليا. كل ما في الأمر أنهم اختلفوا في كيفية إدارة لعبة النحر السياسي بينهم، عبر تحريك الملفات ضد بعضهم بعضا. وعليه، رأيناهم يحاولون افتعال الأزمات، ورمي الكرات في ملاعب الآخرين! والسؤال الذي يطرح هنا: هل هذا التناحر السياسي -بين رفاق الأمس وأعداء اليوم- يمكن أن يخدم القضية العراقية المعقدة، أم هي محاولات ترقيعية لإيهام الجماهير أنهم حريصون على العراق وأهله وثرواته؟!
التجربة المريرة على مدار السنوات الماضية التي تلت العام 2003، علمتنا أن هؤلاء لا يقدرون على إدارة الدولة. وهم اليوم منشغلون في كيفية تصفية الحسابات بينهم ومع خصومهم، وفي سبل تخليص أنفسهم من الاتهامات المتبادلة بينهم. وكل هذه المعطيات لا تخدم القضية العراقية بشيء!
العبادي والمالكي وغيرهما، جميع هؤلاء استلموا الحكم في العراق -الذي قدمته لهم قوات الاحتلال الأميركية على طبق من ذهب، وامتلكوا الموارد البشرية والاقتصادية والدعم الأميركي والبريطاني والديني- ورغم كل صور الاسناد أثبتت الأيام فشلهم الذريع في إدارة البلاد. فلماذا لا يعترفون بعجزهم؟ وإلى متى سيبقى هذا التكابر والتعالي على الاعتراف بفشلهم الذي شهد به القاصي والداني؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!