كشف المستور في العراق


عالم السياسة مليء بالأسرار التي إن كشف عنها أصحابها ربما تقود لتغيير أنظمة وحكومات، وربما تغير خرائط بعض المناطق، وفي ذات الوقت تضع النقاط على الحروف في الكثير من المشاهد التي بقيت غامضة في الحياة السياسية.
اللعبة الجارية في العراق منذ احتلاله وحتى اليوم يبدو أنّها بدأت تتكشّف بعض خيوطها الشفافة، وهي خيوط طالما أكّد العراقيون الوطنيون على أنّها موجودة، وأنّ هناك من يدير هذه اللعبة المستمرة في بلاد الرافدين من وراء الستار.
التفجيرات الإجرامية في العراق لا يمكن إحصاؤها؛ لأنها صارت جزءاً من المشهد العراقي، وأشدّ التفجيرات إرهاباً تلك التي يراد منها ضرب الطوائف والقوميات والأعراق والأقليات في البلاد بعضها بالبعض الآخر، وهذا الأسلوب الشرير الخبيث حصل مراراً وتكراراً، إلاّ أنّ أشدّها مكراً هو التفجير الذي وقع في يوم 22 شباط 2006، واستهدف مرقد الإمامين في مدينة سامراء، وأدى إلى سقوط جزء من القبة، وأسفر عن موجة من عمليات العنف الطائفي في أغلب المدن وخصوصاً العاصمة بغداد، وأطرافها، نفّذتها المليشيات الإجرامية المدعومة من الحكومة، وأوقعت آلاف الضحايا من المدنيين العزل.
وعلى الفور وجّهت الوزارات الأمنية في الحكومة، حينها، الاتهامات لمكون عراقي معروف، وإن لم تسمه أحياناً! ولا ندري كيف تمكّنت الحكومة، وقتها، من معرفة الجناة، خلال ساعات فقط!
تفجير سامراء لم يكن الأخير، بل أعقبه تفجير آخر وقع في يوم 6/13/2007 وأدى لانهيار مئذنتي مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، بصورة شبه كاملة! إلاّ أنّ التفجير الأول كان الشرارة التي أطلقت يد المليشيات الحكومية، وغير الحكومية؛ للعبث بأرواح الأبرياء، والمساجد، والممتلكات الخاصة، وكانت سبباً لأكبر عملية نزوح جماعي في داخل العراق وخارجه، فيما وقفت الحكومة موقف المتفرج على سفك الدماء وإزهاق الأرواح، واحتلال وتدمير وتخريب المساجد والتهجير. ومنذ ذلك اليوم استمرّت المليشيات الرسمية وغير الرسمية باتخاذ هذا التفجير الإرهابي الذريعة الجاهزة لتنفيذ جرائمها المتنوعة بحق غالبية العراقيين، وهي لا تمتلك أيّ دليل ضد الجهات المتهمة بتنفيذ تلك التفجيرات الإرهابية!
وفي مفاجأة من العيار الثقيل، كشف القائد السابق لقوات الاحتلال الأميركي في العراق جورج كيسي في يوم 24 حزيران 2013، وذلك خلال كلمة له في مؤتمر «نحو الحرية» الذي نظّمته المعارضة الإيرانية، عن «تورط النظام الإيراني بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت مرقدي الإمامين في سامراء عام 2006، وإشعال الفتنة الطائفية في العراق، وأنّ طهران مسؤولة عن أغلب الهجمات المسلحة في العراق، والتي تستهدف المواطنين الأبرياء»!
تصريح كيسي يؤكد أكثر من حقيقة، منها:
التناغم الإيراني الأمريكي في العراق، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الاحتلال، والدليل هو صمت الولايات المتحدة على الجرائم الإيرانية في العراق طوال هذه السنوات؛ من أجل مصالحهما المشتركة، إذ أنّ كلاهما كان حريصاً على تدمير الدولة العراقية، وتفكيك النسيج الاجتماعي العراقي.
أمريكا كانت مشجعة للأعمال الارهابية الطائفية؛ لأنها تريد إشغال العراقيين فيما بينهم؛ لتخفيف الضغط عن قواتها التي كانت في موقف لا تحسد عليه بسبب العمليات النوعية للمقاومة العراقية، فيما تريد إيران تنفيذ مخططاتها الإستراتيجية الإقليمية عبر بوابة العراق.
وأيضاً فإنّ هذا التصريح يفتح الباب على مصراعيه بخصوص التفجيرات المستمرة في العراق اليوم، ومنْ المسؤول الحقيقي عنها! حيث إنّ غالبية الشخصيات الأمنية والسياسية، وبعد دقائق من أيّ تفجير يقع هنا، أو هناك في البلاد، نجدهم يوجهون الاتهامات «للإرهابيين وأنصار النظام السابق» وغيرها من الأطراف، والغاية من هذه الاتهامات غير الحقيقية هي التهرب من المسؤولية الوظيفية والأخلاقية الملقاة على عاتق الحكومة وأجهزتها الأمنية، إذ أنّه من أهم واجباتها حفظ حياة المواطنين وممتلكاتهم، وكل ما يتعلق بمعيشتهم في كافة جوانبها الإنسانية والاقتصادية وغيرها!
العراق اليوم ساحة لتصفية الحسابات بين العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، والخاسر في كل هذه المهازل هو العراق والمواطن المغلوب على أمره!
خلاصة القول: ما أصعب أن تصل إلى قناعة تحترم فيها عدوك؛ لأنه يعرف كيف ينفّذ مؤامراته بذكاء!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى