(خبرات العراق) في خدمة الأشقاء!


الخبرات البشرية تكتسب عبر التمرين المستمر، وتراكم المعرفة والصبر والجد والمثابرة. والدول المعتبرة هي التي تنفق الأموال الطائلة من أجل بناء عقول أبنائها، التي ستكون في المستقبل السواعد الأمينة لخدمة الوطن، ورفع مكانته بين شعوب الأرض.
والخبرات العراقية المتمثلة بالعلماء في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والعلمية قدموا لوطنهم ما بوسعهم، وكانت الصناعات الوطنية، في مرحلة ما قبل الاحتلال، تنافس المنتجات الأجنبية في الأسواق المحلية، سواء على مستوى الالكترونيات والكهربائيات أم على صعيد الأدوية، وكذلك في مجال المنتجات النفطية والغذائية وغيرها، واستمرت هذه الجودة، على الرغم من الحصار الجائر الذي فرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي.
وفي مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي وجد العلماء أنفسهم- كبقية مكونات الشعب- عرضة للغدر والتصفية الجسدية، وكانت الحصيلة أكثر من (5500) عالماً عراقياً قتلوا غدراً على يد عصابات أجنبية ومحلية، كانت مدربة سلفاً للإجهاز على هذه الخبرات وتصفيتها، وهذه الحقيقة كشفتها مجلة (المشاهد السياسي) اللندنية في عددها الصادر يوم 22/3/2013، إذ أكدت اغتيال خمسة آلاف و(500) عالماً في مختلف التخصصات خلال السنوات العشر الماضية، لا سيما في التخصصات النووية والكيميائية والهندسية والصناعية.
جرائم الاغتيالات بدأت منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق، وهي مستمرة حتى الآن، وهذا الاستهداف الدنيء تسبب في هجرة عشرات الآلاف من العقول العراقية الجبارة إلى خارج البلاد، وبقاء القلة القليلة في الداخل،  وهم، اليوم، عرضة لكافة أنواع الغدر والترهيب.
بعد الاحتلال، وجدنا أنفسنا- ومازلنا- أمام حالة شبه انهيار للدولة في كافة القطاعات، والدليل على ذلك التفجيرات الارهابية المستمرة التي تحصد أرواح أهلنا في الصباح والمساء، وانعدام الخدمات والكهرباء والمياه الصالحة للشرب، والنتيجة، ملايين المواطنين المهملين في الداخل، وملايين اللاجئين في الخارج.
هذه الأجواء المليئة برائحة البارود، ودوي السيارات المفخخة، والتفجيرات والاغتيالات والظلم وانعدام ابسط مقومات الحياة، لا يمكن أن تكون بيئة صالحة للعطاء والابداع، ورغم ذلك فإن من تبقى من الخبرات العراقية المعتبرة بقيت صامدة في الداخل، وقدمت – ومازالت- خدماتها لأهلنا الصامدين في العراق.
مقابل هذا الانهيار شبه التام للدولة نجد أن حكومة المنطقة الخضراء عاجزة عن تغيير هذا الواقع، وضبط الأمن، ونشر العدل والأمان، وهي لم تكتف بالصمت، بل صارت تدعي أنها قادرة على تقديم خبراتها لبعض الدول العربية الشقيقة، وهذه من السياسات المثيرة للسخرية!
ففي يوم 4/5/2013، أكد نائب رئيس الجمهورية، خضير الخزاعي، خلال استقباله وزير الاستثمار السوادني مصطفى عثمان إسماعيل: (استعداد العراق لوضع خبراته العلمية والتنموية في خدمة أشقائه السودانيين)!
نحن نفتخر بتقديم الخبرات العراقية لأهلنا في الوطن العربي؛ لأننا نؤمن أن أبناء الأمة هم جسد واحد، يعيش من المحيط إلى الخليج، لكن الادعاء الحكومي بتقديم تلك الخدمات المزعومة، ليست له أرضية صلبة على أرض الواقع، وبالتالي لا يمكن أن نقدم شيئاً يذكر لأي بلد من البلدان.
هذا العرض الحكومي لدولة السودان الشقيقة يجبرنا على اثارة التساؤلات الآتية:- 
إذا كانت حكومة المالكي تمتلك هذه الخبرات الجبارة الزائدة عن حاجة العراق، فلماذا لم نلمس بصمات هذه الخبرات الوطنية في العديد من المجالات، ومنها حفظ الأمن الهش، وانتشال العراقيين من أوضاعهم المزرية.
ولماذا لا تكافح الحكومة الفساد المستشري في عموم الدولة، وهذا ما أكده نائب المالكي لشؤون الخدمات، صالح المطلك، يوم 26/5/2013، حيث بين أن الفساد مشكلة كبيرة جداً في العراق، وأن الكثير من الكتل السياسية متورطة فيه.
ولماذا لا نجد أثراً لهذه الخبرات في مجالات الحياة المختلفة ومنها الخدمات، والبلد يعيش اليوم أسوأ مراحله منذ تأسيس الدولة العراقية، وهذا الخراب يشمل كافة القطاعات الحيوية الملاصقة لحياة المواطن اليومية، ومنها الطاقة الكهربائية، والمياه الصالحة للشرب، وغيرها؟!
هناك المئات من الأسئلة التي لا تجد من يجيب عنها؟!
وهنا نقول لحكومة المالكي:- الحكومات الناجحة هي التي تخدم وطنها بجد وإخلاص بعيداً عن التضليل والتطبيل الاعلامي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى