فلم الرعب الأمريكي المستمر في العراق


الاجرام والاعتداء على الآخرين غير مقبول بأي حال من الأحوال، وهو مرفوض شرعاً وقانوناً وعرفاً، حتى لو كان ذلك الايذاء على مستوى المشاعر الإنسانية، وهذا مما لا خلاف عليه بين العقلاء، الذين يعرفون ما لهم وما عليهم.
وفي الظروف الطبيعية لا يمكن تقبل الحجج والذرائع الباطلة لتجميل صورة الشر، وتحسين حال القتلة، وإيهام الآخرين بوجود الخير والنور والرحمة في أزمنة الشر والظلام والقسوة، أما في الازمة الاستثنائية فالأمر تماماً، وهذا الامر معروف للجميع.
والغريب في دنيا السياسة اليوم هو تغيُر المصطلحات لتنفيذ الجرائم، فباسم الديمقراطية نفذت أمريكا -ومن معها- أكبر جريمة في العصر الحديث بحق العراقيين، بعد كارثة هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945.
وباسم الحرية وقعت عمليات الاذلال المُنظمة في المعتقلات العراقية، وخصوصاً في معسكر «ابو غريب». وأيضاً باسم اعادة اعمار العراق نُهبت المليارات من الدولارات، وهكذا الحال في كل المجالات!
وخلال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي، ذاق العراقيون كافة أنواع الذل والهوان، والقتل والخراب، ولا يمكن أن أنسى منظر تلك الدبابات الأميركية، وهي تفرم أجساد مجموعة من شباب ديالى في عام 2005، بزناجرها الحديدية، ومن ثم جمعوا أشلاءهم، بأكياس سوداء، وأخذوها إلى جهة مجهولة.
جريمة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الإنسانية بسهولة، وهي لقطة واحدة من فيلم الرعب والإرهاب الأمريكي المستمر في بلاد الرافدين.
أمريكا نزعت ثوب الخجل، ولبست ثياب الاجرام في تعاملها مع العراقيين العزل، وكان شعارها: قتل كل ما هو متحرك، وللتاريخ نؤكد أنها نجحت في تلك المهمة نجاحاً باهراً، وحصدت أرواح أكثر من مليون ونصف المليون عراقي، بينهم أطفال ونساء، وخيرة شباب العراق!
ولم تتوقف جرائم الأمريكان عند القتل بالسلاح الحي، والتصفية خلال عمليات الاعتقال، بل استخدمت الأسلحة المحرمة في أغلب مواجهاتها مع المدنيين العراقيين، والمقاومة الباسلة، بل الحقائق تشير إلى أنها استخدمت هذه الأسلحة الفتاكة منذ أيام حرب الخليج الثانية، أو ما عرفت باسم «حرب تحرير الكويت»، وأرشيف الصور الموجود على شبكة الانترنت يُظهر تفحم جثث جنود الجيش العراقي، وشاهدت بعيني مجموعة من هذه الصور، وكيف أن الجنود العراقيين ماتوا في أماكنهم على الوضعية التي كانوا عليها لحظة الهجوم الأمريكي، دون أن يتحركوا قيد انملة، وهذا يؤكد فرضية استخدام الأسلحة غير تقليدية!
وفي هذا الملف الاجرامي المرعب الذي تحاول أمريكا تجاهله أو تناسيه، ذكرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية يوم 15/10/2012، أنه تم تسجيل معدلات مرتفعة من الإجهاض، ومستويات سامة من الرصاص، والتلوث بالزئبق، وتزايد أعداد العيوب الخلقية في مواليد العراقيين، تراوحت ما بين عيوب القلب الخلقية، وخلل في الوظائف الدماغية، إلى جانب تلف الأطراف، وأنه من المقلق أن هذه العيوب رصدت بمعدل متزايد في أطفال مدينة الفلوجة العراقية التي شنت الولايات المتحدة عليها عمليتين عسكريتين كبيرتين، قبل ثماني سنوات مضت.
وقالت مزهجان سافابي أصفهاني إحدى الباحثات الرئيسات في الدراسة/ خبيرة السموم البيئية في كلية الصحة العامة بجامعة ميشتيجن، إن هناك «أدلة دامغة»، تربط ما بين الأعداد المتزايدة من العيوب الخلقية والإجهاض، وبين العمليات العسكرية، وأنه تم رصد عيوب خلقية مماثلة، بين الأطفال المولودين في البصرة، بعد غزو القوات البريطانية.
هذه الكوارث تحل بالعراقيين، وتحديداً بالمواليد الجدد، بينما العالم دخل ومنذ عدة عقود بمرحلة «العمر الثالث» التي تشمل الأشخاص الذين خرجوا من مدارات الإنتاج، وما يزالون يملكون طاقات وقدرات كبيرة على المساهمة في المنفعة العامة، هذا بالإضافة إلى فئة المسنين الطاعنين (الذين تجاوزوا الخامسة والسبعين) وهم ما يسمونهم «بالعمر الرابع»، والمؤهَّلون لأن تزداد صفوفهم أكثر فأكثر.
وفي المقابل، نجد أن العراقيين أكلتهم آلة الحرب الظالمة، ووحش الأمراض السرطانية ينهش أجسادهم النحيلة، وآفة الفقر والتهجير تنخُر حياتهم ومستقبلهم، وهم بالكاد يمكن أن يعيشوا العمر الأول من حياتهم التي لا يعرفون إلى أين تتجه!
وأنا على يقين بأن الدراسات المستقبلية ستظهر حجم الكوارث التي صبتها قوات «التحرير» الأمريكية على الشعب العراقي الصابر، وسيعرف العالم –حينها- ضخامة الخسائر العراقية التي أنهكت الناس، وسط اهمال حكومة المنطقة الخضراء، وتجاهلها هذه الأمور الحساسة التي تمس حياة الناس ومستقبلهم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى