حقيقة الصراع الأمريكي الإيراني في العراق



المواجهة الصورية بين إيران وأمريكا مستمرة منذ أن قامت (الثورة الإسلامية الإيرانية) في عام 1979، ولغاية اليوم، ومنذ الأيام الأولى “للثورة” وُصفت أمريكا في الأدبيات الإيرانية بأنها “الشيطان الأكبر”.

وبعد عام تقريباً من “ الثورة الإيرانية” اندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي حصدت خيرة شباب البلدين، وحينها وَجدت إيران نفسها في مأزق أمام القوات العراقية، فانقلبت الموازين، وصار “الشيطان الأكبر” الصديق الأقرب، وعلى هذا الأساس تمت الصفقة الأشهر بين البلدين، والتي عُرفت باسم قضية (إيران كونترا)، أو(ايران جيت)، التي عَقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ريغان اتفاقاً مع إيران؛ لتزويدها بالأسلحة المتطورة، وذلك لقاء إطلاق سراح خمسة من الأمريكان المحتجزين في لبنان، وشراء إيران، وعن طريق إسرائيل، ما يقارب ثلاثة آلاف صاروخ “تاو” مضادة للدروع، وصواريخ هوك أرض- جو مضادة للطائرات!

ومنذ الاحتلال الأمريكي لأرض الرافدين ظهرت صور التعاون، أو التغافل عن الدور المتبادل لكل منهما على الأرض العراقية، واستمرت المعارك الإعلامية والدبلوماسية بين الخصمين الحميمين، وكانت أمريكا على علم بكل الممارسات الايرانية التدميرية على أرض العراق.

وعلى العكس من كل التوقعات، تم تتويج هذا “العداء” بالزيارة التاريخية للرئيس الإيراني “الحاقد” على الأمريكان في آذار/ مارس، 2008، إلى بغداد، ليحل ضيفاً على ساسة المنطقة الخضراء، بحماية قوات “الشيطان الأكبر” الجوية والبرية المحتلة!

وفي إطار كل هذا التنسيق(آسف العداء) لابد من ذكر تصريح نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، محمد علي أبطحي في 13/1/2004، الذي قال فيه: (“لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة)! 

وبعد أن اقتحمت إيران الملف النووي، وأظن هذا الملف فُتح بالتنسيق مع الأمريكيين؛ لتبقى إيران الخطر الأكبر في المنطقة، وتستمر أمريكا بامتصاص النفط مقابل حماية دول الخليج والمنطقة من “ الخطر” الإيراني، أقول بعد الملف النووي صارت التهديدات الأمريكية “ أكثر وأشد”.

ولتغطية هذه اللعبة، عملت أمريكا على استصدار العديد من القرارت الدولية ضد إيران عبر مجلس الأمن، ومنها القرار رقم (1737)، الذي صدر في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2006، والقرار( 1747)، الذي صدر في 24 آذار/ مارس 2007، والقرار (1803)، الذي صدر في 3 آذار/ مارس 2008، والقرار(1929)، الذي صدر في 9 حزيران/ يونيو 2010، هذا بالإضافة الى حزمة “العقوبات” الأمريكية على إيران. 

ولإثبات أن حقيقة الخلاف الإيراني الأمريكي هو خلاف صوري، فإنني سأورد ما كشفت عنه صحيفة “الشرق الأوسط الدولية” في عددها الصادر يوم 7/10/2012، نقلاً عن صحيفة “نيويورك تايمز الأمريكية”، أن برقيات دبلوماسية سرية أميركية تعود إلى عامي 2007 و2008 حصل عليها موقع ويكليلكس ، كشفت دور قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال “قاسم سليماني” في العراق، وكيف استخدم كبار الساسة العراقيين، لإيصال رسائل إلى الإدارة الأميركية.

إحدى البرقيات أفادت بأن الرئيس الطالباني أبلغ السفير الأميركي في بغداد بأن “سليماني وصل إلى دمشق أثناء وجوده فيها ليسلمه رسالة إلى السفير مفادها أن إيران لا تستهدف الأميركيين (في العراق)، ومستعدة للتعاون”.

وحسب البرقية قال سليماني: “أحلف على قبر (آية الله الراحل) الخميني (مؤسس الجمهورية الإسلامية) بأنني لم أخول بإطلاق رصاصة ضد الولايات المتحدة”، وأن سليماني اعترف بأن” له مئات العملاء تحت تصرفه في العراق”، لكنه نفى” أن يكون قد استخدمهم ضد القوات الأميركية”. وأنه “مستعد للتعاون بصورة مباشرة وغير مباشرة عبر السلطات العراقية”. وكذلك فإن “بلاده مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة حول أمن العراق”. 

وخلاصة القول: فإن كل من يظن أن أمريكا، أو اسرائيل ستضرب إيران في يوم من الأيام فأظنه من الواهمين الذين لم يتفحصوا جيداً حقيقة الصراع الصوري الدائر بين هؤلاء الأصدقاء.

نحن في العراق فهمنا اللعبة جيداً، ونعرف إننا الخاسر الوحيد من هذا العداء الوهمي.

وستثبت الأيام صدق بعض ما ذهبت إليه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى