خيمة (هاو) موقف مشرف في زمن الصمت والخنوع




أمرنا المولى سبحانه وتعالى بالإنصاف حتى مع الذين لا تربطنا بهم روابط العرق والدين، بل حتى مع الذين لا نحبهم، حيث قال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، هذه هي حقيقة الإنصاف في أمة الإسلام، فهي أمة مثالية تحب الخير والسلام والطمأنينة لكل الناس، على عكس ما يحاول بعض أعدائها الترويج عنها عبر الكثير من الافتراءات والأكاذيب.ما وقع في العراق قبل وبعد عام 2003، وضع القاصي والداني على المحك شعوباً وأفراداً؛ لأن الموقف من احتلال بلاد الرافدين قضية حساسة ولا تقبل المجاملة، أو التسويف والمماطلة، وكان الموقف الشعبي في عموم المعمورة في حالة غليان، وأغلب المواقف الرسمية في العالم كانت مع، أو ضد احتلال العراق، ولم تكن هنالك مواقف على الحياد إلا القليل الذي لا يذكر.غالبية ساسة العراق اليوم من رجال العملية السياسية السقيمة جاؤوا مع المحتل، بل هم الذين شجعوه على تدمير العراق وتخريبه، وقتل الأبرياء بحجة نشر الديمقراطية وتخليص البلاد من الدكتاتورية، ولم تتحرك ضمائرهم لما لحق العراق من جراء تآمرهم الشرير الذي تسبب بمقتل وتهجير وتغريب الملايين، فوق الأرض وتحتها!!!وعلى عكس هذه المواقف المؤلمة المخجلة، وجدنا مواقف أخرى تستحق الاحترام والتقدير، ومنها المظاهرات المنددة بالإجرام الأمريكي في العراق والمناهضة لاحتلاله، وكانت أصوات الملايين في أرجاء العالم تصرخ رافضة المخطط الحاقد ضد العراقيين، ومنْ بين هذه الأصوات الناشط البريطاني (بريان هاو) صاحب اعتصام "معسكر السلام" خارج مبنى البرلمان في لندن، الذي توفي "بصمت" في ألمانيا نهاية حزيران الماضي، بمرض سرطان الرئة عن (62) عاما.هذا الرجل الذي قرر أن يقف وحده في ساحة البرلمان بلندن خلال يونيو/ حزيران عام 2001 احتجاجا على الغارات الجوية الانجلو- أمريكية على بغداد وبقية مدن العراق، وسرعان ما توسع احتجاجه بعد الغزو الغربي لأفغانستان، أقول وقف هذا الرجل موقفاً بطولياً يعكس حقيقة التلاحم الإنساني بين بني آدم بغض النظر عن الدين والعرق!!!وقد يتصور البعض أن (هاو) كان في رحلة استجمام خلال اعتصامه؛ لأنه في بلد أوروبي، والحقيقة على عكس ذلك تماماً حيث إن بعض المسؤولين البريطانيين حاولوا طرده من ساحة البرلمان إلا أن صموده وصدق وقفته جعلت تلك المحاولات تبوء بالفشل، وأيضاً كان للقضاء البريطاني عام 2002 وقفة راقية حينما تعاطف مع (هاو) الذي اتهمه المجلس البلدي المحلي باعتباره مصدر إزعاج، ولكن المحاكم لم تنظر في الدعوى.منْ منا يحتمل الصعوبات والظروف السيئة التي عاشها هذا المناضل الصامت وهو يحاول أن ينشر السلام، ولو بالكلمة والموقف، في وسط هذا العالم الذي تفوح من أرجائه روائح القتل وغبار التدمير؟!!منَ الحقائق التي لا تنكر أن التاريخ يشوبه التشويه والتزوير أحياناً بسبب ضغوطات حكومية، أو لأسباب أخرى تهدف إلى خدمة هذه الجهة المتنفذة، أو تلك، إلا أن الحقائق التاريخية ستظهر ولو بعد حين. والذين باعوا العراق ووقفوا من قضية احتلاله، وتخريبه في مرحلة ما بعد الاحتلال، سيكتب التاريخ عن غالبيتهم أنهم وقفوا ضد بلدهم، وعملوا من أجل مكاسبهم الشخصية والحزبية والفئوية، والتاريخ لن يرحم، ولن يجامل أحداً!!!خيمة (هاو) التي تحتوي على لافتات وشعارات مناهضة للحروب، ستكون في يوم من الأيام من الأماكن التي يرتادها السواح من داخل وخارج بريطانيا، للوقوف في المكان "البسيط" الذي قال فيه (هاو) لقوى الظلام: "لا للحرب، ونعم للسلام"، وهي -أي الخيمة- على عكس المنطقة الخضراء التي ستبقى معلماً من معالم الخيانة والذل والهوان، لكل الذين دخلوها وارتضوا لأنفسهم أن يقفوا مع المحتل ضد بلدهم.فعلاً يستحق هذا الرجل أن يذكر كلما ذُكر السلام، وكلما دَقت طبول الحرب، التي لا تهدأ في أرجاء العالم "المتحضر".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى