جاهزية الشرطة العراقية.. متى تكتمل؟

فلول النظام السابق، الإرهابيون القتلة، أعداء الديمقراطية، المجرمون، الظلاميون، هذه الحجج الجاهزة السقيمة وغيرها، يرددها أغلب رجال العملية السياسية، في حالة وقوع أي خلل أمني، أو إداري، أو خدمي في بلاد الرافدين، التي لا يعرف أهلها الاستقرار والأمان.
تفجيرات يومية، قتلى، وجرحى، وبالنتيجة الملايين من المهجّرين، وكل هؤلاء من عموم الشعب؛ لأنّ الشعب العراقي اليوم قُسِّم إلى طبقتين، الطبقة الأولى: هي طبقة "النُبلاء"، وأقصد بها معظم رجال العملية السياسية، أما الطبقة الثانية: فهي تشمل عموم الشعب، وهم ضحايا التفجيرات الإجرامية التي هي في حقيقتها تصفيات سياسية، والفاتورة مدفوعة مسبقاً من الدم العراقي المسفوح.أكثر من ثمان سنوات مضت على تسلّم هؤلاء "الساسة" لزمام الأمور في بغداد، وواقع البلاد يشهد بفشلهم في ترتيب البيت العراقي؛ لأنّهم منشغلون بمصالحهم الحزبية والطائفية والعرقية والشخصية، وليذهب سكان الطبقة الثانية (عموم العراقيين) إلى الجحيم.في هذه الأيام يعود الجدل من جديد حول مدى "جاهزية" الأجهزة الأمنية الحكومية لاستلام الملف الأمني، وذلك مع قرب رحيل بعض قوات الاحتلال الأمريكية، وبقاء البعض الآخر كقوة محتلة، لكن مع تغيير الاسم فقط، واعتبارها قوات باقية لأغراض التدريب وحماية السفارة الأمريكية وقنصلياتها المتواجدة في بعض المدن العراقية.حكومة المنطقة الخضراء أعلنت، على لسان الجنرال (جاسم الموسوي) المتحدث باسم رئيس هيئة الأركان، قبل أيام، أنّها أجّلت نقل المسؤوليات الأمنية في المدن الكبرى للشرطة؛ لأنّ الحكومة لم تصل بعد لدرجة التأكّد التام من إمكانية تسليم المهمة الأمنية لوزارة الداخلية؛ لأنّ الشرطة الاتحادية والمحلية لا زالت غير جاهزة، ولم تبلغ بعد درجة الجاهزية التي تؤهّلها لـ"مكافحة الجماعات المتطرفة" عقب انسحاب قوات الاحتلال الأميركي المقرر نهاية العام الحالي، وهي تعاني من نقص في الإمكانات الاستخبارية!!!قائد القوات الجوية الفريق أول (أنور أحمد) أكّد، قبل أسبوع تقريباً، تخوّفه من عدم مقدرة العراق على حماية أجوائه، وأنّ "سماء البلاد ستكون عارية من أيّ تغطية رادارية، وبإمكان أيّ طائرة أن تصل إلى حدود العاصمة بغداد دون أن يكتشفها أحد، لاسيما بعد انسحاب القوات الأميركية أواخر الشهر المقبل، وسحب الرادار العامل حاليا في قاعدة الأسد بمدينة الرمادي".وبغض النظر عن كل هذه التصريحات اللامسؤولة فإننا نريد هنا أن نضع النقاط على الحروف: الأجهزة الأمنية الحكومية شُكِّلَت منذ أكثر من ثمان سنوات، وبحسب قوانين التدريب العسكرية، فإنّ دورات الضباط تحتاج إلى ثلاث سنوات تقريباً كحد أعلى، بينما تحتاج دورات المراتب من خمسة إلى ستة أشهر، وهذا الكلام يؤكّده المختصون من العسكريين والخبراء الاستراتيجيين، فأين كان قادة الأجهزة الأمنية خلال هذه السنوات الثمان الماضية، ولماذا لم يعملوا على ترتيب، وتجهيز القوات المسلحة استعداداً ليوم رحيل القوات المحتلة المتّفق عليه ضمن ما تسمّى الاتفاقية الأمنية، وأين أُنفقت مليارات الدولارات المخصصة للوزارات الأمنية؟!!كل هذه التصريحات تصبّ في اللعبة التي يقصد بها القول: أنّ العراق ما زال بحاجة إلى القوات الأمريكية المحتلة لحماية أرضه ومياهه وسماءه، وهذا يعني أننا سَنُبقي البلاد تحت الوصاية الأمريكية إلى مدى مجهول.هذا هو واقع حال غالبية الأجهزة الحكومية الحالية، أجهزة غير مكتملة الجاهزية لإمساك زمام الأمور، وحفظ النظام والأمن، لكنّها جاهزة، وبقدرات عالية، على ظلم الأبرياء وانتهاك الأعراض، وسفك الدماء، وتدنيس المقدسات!!!ومن الإنصاف القول: أنّ هنالك نسبة، ولو قليلة، هي من الأخيار الذين اضطرّتهم ظروف الحياة الصعبة للدخول في الأجهزة الأمنية، وبالنتيجة هم بعيدون عن التعدّي على أعراض الناس وممتلكاتهم، ولا يقبلون لأنفسهم أن يكونوا من الظالمين.نحن بحاجة إلى بناء الإنسان قبل تعمير البنيان، وإلى بناء أجهزة أمنية تنتمي للعراق وللعراقيين، درع يتباهى به العراقيون في كل مكان، ولسنا بحاجة إلى دوائر تنخرها سُوسة الفساد والظلم والتعدي على أعراض الناس وممتلكاتهم!!!
تعليقات
إرسال تعليق