المسرح العراقي ودوره في التغيير المرتقب




كان الكاتب المسرحي الروسي "الكسندر نيقولاييفتش أستروفسكي"، (ت 1886)، يعتقد جازماً أن المسرح القومي يشكّل أحد دلائل بلوغ الأمة سنّ الرشد؛ لأنه يعرف أهمية رسالة المسرح وأثرها في الجمهور المتلقي.
وفن المسرح، كما يُعرفه أهل الاختصاص، هو أحد فروع فنون الأداء، أو التمثيل الذي يُجسد، أو يُترجم قصة من القصص. والفن المسرحي قديم قدم الحضارة الإنسانية، وهو على أنواع منه: المسرح التراجيدي، والكوميدي، والتجريبي، والرمزي، والملحمي، والتعبيري، ولكل نوع من هذه الأنواع الإطار الفني الذي ينبغي أن يكون عليه.
وكان للمسرح الهادف على مرِّ العصور الدور الفعّال في تكوين ثقافة الشعوب وبنائها، وهو من الأدوات المهمة للتغيير في الحياة الإنسانية، والفن حقيقة على أنماط، منه ما هو ساقط ومبتذل، ومنه ما هو راق ومتنور، ولا شك أن كلامنا هنا عن الفن الهادف، بغض النظر عن الأسلوب الذي اتُخِذ للوصول الى الهدف سواء أكان كوميديا، أم تراجيدياً، أم غيره من الأساليب.
والفن العراقي بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، انفلق إلى قسمين:
الأول رضي لنفسه أن يسير في ركب الاحتلال وأعوانه، وهؤلاء يمثلون القلة القليلة من فناني العراق، بينما وقف القسم الثاني في ركب العراق الحر، وسَخروا مواهبهم، وطاقاتهم، وأدواتهم الفنية من أجل إجهاض مشاريع الاحتلال الهادفة لقتل روح الحضارة، والثقافة، والتقدم، والفن في عراق الحضارات.
المسرح العراقي بَرزت ملامحه في عام (1924)، ثم تأسست الفرقة الوطنية في عام (1927)، وتولى إدارتها المرحوم حقي شبلي، لتكون اللبنة الأولى للمسرح العراقي الحالي، الذي يُعد من المسارح العربية المتميزة بعد المسرح المصري.
وبعد الاحتلال الأمريكي، وجد المثقفون العراقيون أنفسهم أمام جملة من المطبات المصطنعة لإسكاتهم، على الرغم من التطبيل والتضليل الإعلامي بانتشار الديمقراطية، وعلى أرض الواقع دفع رجال العلم والثقافة أرواحهم وحرياتهم ثمناً لمهزلة الديمقراطية وحرية التعبير، وعلى الرغم من كل هذه التحديات وجدنا من بين الفنانين من يصرخ منادياً بالتغيير في قلب العراق، وهذا ما عكسته أغلب المسرحيات التي عُرضت في مهرجان المسرح التعبيري السنوي الثالث في البصرة، الذي اختتمت أعماله قبل أسبوع تقريباً.
المسرح التعبيري يمتاز بأنه يعتمد على شخصية رئيسية واحدة في الغالب، وتعاني هذه الشخصية "البطل" من مجموعة من الأزمات النفسية، أو الروحية، أو الذهنية، وربما تكون هذه الأزمات مجتمعة في شخص واحد، أو إنه يعاني من بعضها، وتكون رؤية البيئة، والناس في المسرحية من خلال نظرة وتَفهُم الشخصية الرئيسية، وهذه النظرة يجب أن تكون دقيقة، ومتفرسة يُعبر عنها مؤلف المسرحية بوسائله الرمزية المسرحية المختلفة.
القاسم المشترك بين أغلب أعمال مهرجان البصرة، هو التركيز على "الكرسي"، أي: كرسي الحكم، وكيف أن التمسك بزمام السلطة قاد العراق إلى الأوضاع الحالية المتدهورة، حيث التناحر بين أغلب رجال العملية السياسية ليس من أجل الوطن، وإنما من أجل المصالح الشخصية التي أُلبست ثياب الدين، والطائفة، والقومية، والحفاظ على الوجود وغيرها من المصطلحات الطارئة على المجتمع العراقي.
حقاً، إن كرسي الحكم هو المخرب للنفوس، والدافع للتآمر والقتل، والمخطط للتدمير والتخريب، وهذا هو واقع الحال في بغداد الآن!!!
المسرح العراقي اليوم أثبت قوته وصلابته في مواجهة الإغراءات والتهديدات، وكان للشباب العراقي في البصرة القول الفصل بالوقوف مع الوطن ضد الساسة الغرباء الذين لا يحبون بلادهم، وإن كانوا يدعون ذلك، وقالوا إن واجبهم الوطني، والإنساني يحتم عليهم أن يقولوا الحق رغم ارتفاع فاتورة كشف الحقائق في العراق اليوم، وكان آخر ضحايا صرخات الحق الفنان المسرحي (هادي المهدي) الذي اغتيل على يد مجموعة مسلحة في داره ببغداد، وفي نهاية عام (2006)، اغتيل الفنان الكوميدي (وليد حسن) رحمه الله.
تحديات كبيرة تواجه المسرح العراقي، إلا أن الإصرار والتحدي الذي يُميز الأصلاء من الفنانين المخضرمين والشباب دفع عجلة المسرح العريق للأمام.
وهكذا تعود خشبة المسرح لتناطح خشبة كرسي الحكم، وأظن أن الغالب والمنتصر في نهاية المسرحية، هو الشعب، الذي لن يسكت على الضيم والاستبداد، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة في بلاد الرشيد المحتلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!