الامن المفقود في العراق " المستقر"




نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الأمان والعافية، بهاتين الكلمتين البسيطتين البليغتين حدد النبي محمد صلى الله عليه وسلم سعادة الأوطان والأفراد، فالأمان هو السبب الأول والأخير في سعادة وازدهار وتطوير البلدان، والبلاد التي لا تنعم بالاستقرار هي غابة كبيرة لا يعرف الناس فيها من أي جهة تداهمهم المخاطر، والصحة هي رمز لسعادة الإنسان، ودونها تبقى حياة الفرد متأزمة وغير مستقرة.

والعراق بلد فقد الأمن والأمان والاستقرار منذ أن وطئت ثراه قوات الاحتلال الأمريكية الهمجية، ومنذ أن عاثت فيه فساداً أقدام العملاء الذين لا ينتمون للعراق انتماءً حقيقياً، بل هم مجموعة من المخربين يدعون أنهم من العراقيين.

والعراق – اليوم- بلد تنخر جسده جملة من الآفات، آفة الانهيار الأمني، وهذه الحقيقة يعرفها حتى الذين يسكنون في القطب الشمالي؛ لان الدم العراقي -وللأسف الشديد- صار رخيصاً لدرجة لا يمكن تصورها، وهذا كله من بركات الديمقراطية الزائفة التي جاءت بها أمريكا للعراقيين.

وعلى العكس من كل هذه الحقائق، وفي تصريحات لا يمكن أن تبرر أكد رئيس الحكومة الناقصة نوري المالكي يوم 22/3/2011، أن العراق أصبح الآن من أكثر دول المنطقة استقراراً، بعد أن كانت تتهدده العمليات الإرهابية والتخريبية، وأن العراقيين نجحوا في أن يوقفوا التيار الهادر من التخريب والدمار والقتل؟!!

ونحن نتمنى الأمن والأمان لعراقنا الحبيب، لأن العراقيين أنهكتهم المصائب التي صبت عليهم، إلا أن الواقع هو على عكس هذه التصريحات المخجلة، ولتأكيد أن كلام رئيس الحكومة يفتقر إلى الدقة، وفي تطور خطير يمكن اعتباره من الأحداث المعدودة، شهدت محافظة صلاح الدين شمال بغداد هجوماً نفذه مسلحون يرتدون ملابس الشرطة يوم 29/3/2011، وتمكنوا خلاله من احتلال مقر مجلس المحافظة، وذلك بعد أن اقتحموا حاجزه الأمني بتفجير سيارة مفخخة، ثم احتجزوا عشرات من المنتسبين والمراجعين في الطابق الثالث من المبنى، وبعد دقائق انتشر الخبر كـانتشار النار في الهشيم عبر القنوات الفضائيات، ووجدت الحكومة نفسها في موقف محرج جدا، لتعلن بعد ساعات تقدم قواتها لـ"إنقاذ" الموقف وتخليص الرهائن، وذلك باقتحام بناية المجلس.

وقبل أن تنفذ العملية، توقعت أن ترتكب القوات الحكومية عملية إبادة تامة للمحتجزين، وذلك لفشلها السابق في إنقاذ رهائن كنيسة سيدة النجاة في بغداد يوم 31/10/2010، حيث أعلن وكيل وزارة الداخلية حسين كمال –حينها- مقتل (52) شخصا أثناء عملية دهم لقوات مكافحة الإرهاب لكنسية سيدة النجاة، إلى جانب إصابة (67) شخصا؟!!

وفعلاً وقع المحظور، ولم ينج من الكارثة أي محتجز في الطابق الثالث، ولتكون "عملية الإنقاذ" مجزرة حقيقية، حيث قُدرت الحصيلة الأولية للقتلى على أنها أكثر من (70) قتيلا، وأكثر من (100) جريح، والمهزلة –بحسب التأكيدات الحكومية- أن أحداً من المحتجزين لم ينج من الكارثة، فلماذا تم الاقتحام إذن؟ وهل الاقتحام هو لإبراز العضلات، أم لإنقاذ الأبرياء؟ فإذا كانت الغاية إبراز العضلات فنحن نسأل بدورنا -إن كانت هنالك عضلات أصلاً– كيف ولماذا تم هذا الخرق الأمني الكبير؟ وأين كانت القوة المكلفة بحماية المجلس، وكيف تمكن المهاجمون من دخول البناية المحصنة؟!! 

عملية الاقتحام أثبتت مرة أخرى هشاشة القوات الأمنية الحكومية، حيث سبق أن وقعت أحداث مشابهة في الانبار وغيرها، وهذا يعني أن الأجهزة الأمنية لا تملك بوصلة في آلية عملها، وإلا لاستفادت من التجارب السابقة التي قتل فيها المئات من العراقيين الأبرياء، والمؤلم أن أغلب رجال المنطقة الخضراء لا يهمهم سوى أنفسهم وعوائلهم، وعدا ذلك فليحترق العراق من شماله إلى جنوبه؟!!

الأمن الحقيقي والاستقرار المثالي هو الذي يشعر فيه المواطن انه إنسان محترم لا تهان كرامته لأتفه الأسباب –أو دونها- ومن أبسط الأشخاص، وهذا ما لا نجده في عراق الحرية والكرامة، بل العكس هو الصحيح حيث السجون السرية والاتهامات الكيدية، وكان الله في عون العراق والعراقيين.

ملاحظة: ورد الخبر الآتي بعد الانتهاء من كتابة المقال:

أعلن مصدر في الشرطة مساء يوم 29/3/2011، عن مقتل عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية ببغداد (محمد حسين العلوان) وذلك بانفجار عبوة لاصقة وضعت في سيارته؟!!

Jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى