تناقضات خطاب المالكي في الدوحة (2)







مبادرة المصالحة الوطنية في القاهرة، والتي عقدت برعاية الجامعة العربية، والتي تملصت الحكومة العراقية من الوفاء بالتزاماتها بعد توقيعها بأيام فقط ، وصفها المالكي في خطابه بأنها" قارب نجاة لكل العراقيين، وهي ليست شعارا". ثم تحدث المالكي عن المصالحة وكأنها أمر واقع في العراق اليوم: "نجحت المصالحة الوطنية في القضاء على الفتنة الطائفية وتعزيز الوحدة الوطنية وإشاعة ثقافة التسامح والحوار"، وتناسى القوى الوطنية المعارضة للاحتلال والحكومات التي نصبها المحتل، وكأن العراق اليوم ينعم بالأمن والاستقرار والتلاحم بين الحكومة والشعب، وتجاهل الغضب الشعبي ضد الاحتلال وأذنابه، وذلك في محاولة لطمس الحقائق المريرة في العراق، وتغيير الحقيقة وتزويرها لدى الأشقاء العرب.
ولتأكيد هذه الحقيقة ذكرت مصادر صحفية في الدوحة أن "العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز رفض الاجتماع الثنائي مع نوري المالكي رئيس الحكومة الحالية"، ونقل عن مصادر مقربة من الوفد السعودي" أن العاهل السعودي لا يقابل شخصاً تخلى عن وعوده لنا، في إقامة مصالحة حقيقية داخل العراق". والإرهاب الذي يقصده المالكي، هو مقاومة المحتل، وكل من لم يقف مع الحكومة، ولم يصفق للاحتلال، فهو إرهابي، يجب أن يعتقل أو يصفى من المشهد العراقي، في حين نرى في المقابل ساسة الحكم "من الوطنيين"، يتبركون بمن كانوا سبباً لوصولهم إلى سدنة الحكم في العراق، أما الذين يستهدفون الأبرياء من العراقيين، فهم بلا شك قتلة مجرمون، بغض النظر عن انتماءاتهم. وضمن نفس الإطار الخداع، يصور رئيس الحكومة الحالية في العراق نوري المالكي، لأصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء العرب، الأوضاع الأمنية في العراق على غير حقيقتها، ولو كان ناقلاً للحقيقة، فلماذا هذه التحصينات الأمنية المخيفة للمسؤولين الحكوميين في "المنطقة الخضراء" المحمية من قوات الاحتلال الأمريكية؟
وتحدث المالكي في كلمته عن فرض "سلطة القانون"، وتسلم المهام الأمنية من قبل القوات الحكومية في ثلاث عشرة محافظة من القوات المحتلة، وتغافل المالكي عن حقيقة مهمة ومريرة، وهي عدم بناء مؤسسات "الدولة" في العراق المحتل، على أسس وطنية ومهنية، بل على العكس من ذلك، فقد بنيت الأجهزة الأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية ـ بالإضافة إلى الوزارات الأخرى غير الأمنية ـ على أسس طائفية وعرقية بحتة، وهذا يعرفه كل من له أبسط اطلاع على الأوضاع الجارية في العراق.
وأثبتت الأحداث القريبة في البصرة وغيرها من المدن العراقية، عدم جاهزية هذه القوات في الحفاظ على الأوضاع الأمنية في البلد، لأن ولاءها للطائفة وللحزب، وليس للعراق؛ وهذا ما حدث في العملية الأمنية الأخيرة في البصرة، حين رفض المئات من رجال الجيش والشرطة في حكومة المالكي، القتال ضد المليشيات الموجودة هناك، في الحملة التي كانت أهدافها انتخابية إقصائية، بينما تتبجح الحكومة بها، وبأنها لا تميز بين العراقيين في " تطبيق القانون".
ومرة أخرى يصرُ المالكي على تزوير الواقع، ويؤكد على أن" القوات العراقية أصبحت قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأمريكية من جميع الأراضي العراقية، وان لا خشية على العراق بعد اليوم من الإرهابيين والخارجين عن القانون الذين تلقوا ضربات قاصمة وفقدوا ملاذاتهم ومخابئهم، التي لم تعد آمنة".خطاب المالكي لم يغير من حقيقة الأوضاع، ولا من الموقف العربي، حيث عاد المالكي من قمة الدوحة بخفي حنين، وهذا ما أكده المتابعون للقمة، فالأوضاع الأمنية المتدهورة، دفعت القادة العرب للاتفاق على عقد القمة العربية القادمة في الجماهيرية الليبية في الـ( 2010)، والتي كان من المقرر أن تقام في العراق، ولم يكن البيان الختامي لقمة الدوحة مريحاً لحكومة المالكي، حيث أبدى المالكي اعتراضه على الفقرة التي خصت العراق في البيان حيث قال: "لم تجر الإشارة إلى ما تحقق من انجازات ديمقراطية وأمنية" بحسب قوله.
محاولات حكومة المالكي لتزييف وتزوير حقائق الأوضاع المتردية في العراق، من حيث الادعاء بتحسن الأوضاع الأمنية، والاتفاق التام بين جميع أطياف الشعب العراقي؛ سيزيد الطين بلة، وسيعقد المشكلة العراقية، لان تشخيص أسباب المشكلة هو في الحقيقة، نصف العلاج، وإلا فان المشكلة الجوهرية تتمثل بوجود القوات المحتلة على أرض العراق، وبناء الجيش والشرطة على أسس طائفية وعرقية، وكذلك في محاولة الحكومة تهميش الدور الفعال للقوى المناهضة للاحتلال، على إعتبارها قوى "إرهابية"، بينما الإرهاب الحقيقي، هو الذي يمارس باسم "القانون"، في بلاد زُيفت فيها الحقائق، وما زال الناس فيها لا يعرفون أين المفر، ويعيشون فيها بين مطرقة الاحتلال وسندان الحكومة التي نصبها المحتل؟!!
jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!