وعود حكومة بغداد للنازحين ذهبت أدراج الرياح


قبل أربعة أيام انطلقت الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المرتقبة في 12 مايس/ مايو المقبل، وهي الانتخابات الرابعة بعد العام 2003، والثانية بعد الانسحاب الأمريكي المزعوم من العراق.
الفترة التي سبقت الانتخابات كانت مليئة بالوعود الحكومية، والتهديدات "النارية" للكثير من "القوى المعارضة" لها من داخل العملية السياسية، وكانت القضية بينهما تتعلق بالناخبين النازحين، حيث وعد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بإعادة كافة النازحين إلى مدنهم قبل إجراء الانتخابات القادمة، فيما هددت الأطراف المشاركة في العملية السياسية باحتمالية القاطعة في حال عدم عودة النازحين لمناطقهم.
وفي الثاني والعشرين من كانون الأول/ يناير الماضي، تعهد العبادي خلال لقائه بمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية (ميروسلاف ينشا) بالعمل"
على تهيئة الظروف المناسبة لتشجيع عودة مئات الآلاف من النازحين إلى مناطقهم قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة".
والواقع أن هذه الوعود لم تجد طريقها للتنفيذ، وإنما كانت مجرد ضغوط من قبل التحالف الوطني الشيعي على شركائهم في العملية السياسية لتمرير الانتخابات في موعدها رغم عدم تهيئة الظروف المناسبة لإجرائها، وبالذات في محافظات الموصل والانبار وديالى.
في مرحلة المفاوضات حول الانتخابات تعالت الأصوات المنادية بضرورة عودة النازحين إلى مناطقهم، وربما هم تحججوا بأنهم أبلغوا رئيس حكومة بغداد بضرورة عودة النازحين، وأنه وعدهم بإعادتهم، وهكذا ربما هم يتصورون أنهم أدوا الواجب المطلوب منهم!
وفي التاسع من آذار/ مارس قالت المنظمة الدولية للهجرة إن" عدد النازحين العراقيين الذين ما زالوا يعيشون في المخيمات التي فروا إليها بسبب المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يزيد على 2.3 مليون نازح"!
اللافت للنظر أن الكثير من نواب المدن المنكوبة ومرشحيها - ورغم هذه الأعداد المليونية- يتصرفون بأسلوب متلون ومتناقض يؤكد عدم وجود حرص وتحمل لمسؤولية الواجب القانوني والأخلاقي تجاه أبناء المدن التي يمثلونها، وذلك بسبب عدم تمسكهم بمطالبهم الداعية لتهيئة البيئة الصحية للانتخابات، ولهذا رأينا - على سبيل المثال- أن أحد نواب محافظة الأنبار غربي العراق، كشف أنهم ألقوا " الكرة في ملعب رئيس الوزراء حيدر العبادي، بحل مشكلة النازحين، وتوفير البنى التحتية حتى وإن كانت بسيطة، لكي يعودوا إلى مدنهم، وبالتالي الإدلاء بأصواتهم، وممارسة حقهم الطبيعي في الانتخاب، وإذا تمكن العبادي من إعادة النازحين بالتعاون مع الكتل والشخصيات السياسية فإننا مع إجراء الانتخابات في وقتها المحدد".
وذات الكلام أكده بعض نواب محافظة نينوى الشمالية، بأن " الوقت والظرف غير مناسبين لإجراء الانتخابات في (المدينة المنكوبة)، وأن المناطق المحررة، تعاني من نقص الخدمات من البنى التحتية والماء والمجاري والصحة والتعليم، فهل من المعقول استغلال الفكر المشوش لهؤلاء في الانتخابات؟".
حقيقة عدم صلاحية هذه المدن للانتخابات أوضحتها بعض الوكالات التي كشفت عن "وجود 10 ملايين طن من الأنقاض في الجانب الأيمن من الموصل ونحو 2000 جثة تحت الأنقاض في مدينة الموصل القديمة لم يتم انتشالها بعد، غالبيتها تحولت إلى هياكل عظمية وسُحق قسم منها تحت الجرافات وعجلات شاحنات التحميل"!
وتأكيداً لهذه الكوارث قال الدكتور هاشم شلاوي - وهو أخصائي بطب الأسرة والباطنية واغلب مراجعيه من مدينة الموصل القديمة- إن " التهاب الكبد الوبائي، والتهاب الرئة، والجهاز التنفسي، والتحسس القصبي والجرب العنيد، والتهاب الدماغ، ونقص المناعة العام نتيجة فشل التطعيم، والتهاب الأوتار الصوتية بسبب شرب ماء الآبار غير الصالحة للشرب، وهذه كلها أمراض يعاني منها عدد كبير من سكان الموصل".
القضية لم تتوقف عند هذا الحد، بل اليوم هنالك عودة بالاتجاه المعاكس من بعض مدن النزوح، ومنها الموصل نحو معسكرات، أو مخيمات النزوح بعد أن وجد الأهالي أنفسهم أمام مناطق غير صالحة للعيش بالمرة، بل إن الأمر وصل إلى عدم وجود بيئة صحية يمكن أن تدفع الأهالي للعودة للموصل وغيرها.

العجيب - أنه ورغم كل هذه الحالات السلبية- لاحظنا أن الأصوات المطالبة بالتأجيل هدأت وخفتت مع انطلاق الحملة الانتخابية! فهل نلقي اللوم على الحكومة التي لم تف بوعودها، أم نلقي اللوم على نواب هذه المحافظات ومرشحيها الذين بدلوا مواقفهم بين ليلة وضحاها؟



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى