مدارس خاصة لأبناء المناطق العراقية المنكوبة!



لا شك أن ذكر عالم الطفولة يقودنا للحديث عن البراءة واللهو البريء والقلوب النقية العامرة بالحب والأمل والحلم بغد مشرق جميل؛ لأن الطفولة تمثل المرحلة الأجمل والأنقى والأروع من مراحل النمو البشري.
وفي عالمنا " المُتحضر" يُقاس رقي الأمم بمدى الاهتمام بالأطفال على اعتبار أنهم رجال المستقبل، وهم في ذات الوقت الكائن الأضعف في المجتمع.
النظم والقوانين الإنسانية والدولية لم تغفل جانب الاهتمام بالأطفال، وقدر صدرت العديد من القوانين الدولية والإقليمية المشجعة للاهتمام بالأطفال، ومنها (الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل)، التي كتبت بعناية فائقة، بهدف بيان ضرورة تقديم الأفضل لهذه الشريحة الضعيفة والبريئة والمهمة، ومما جاء في اتفاقية حقوق الطفل، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ٤٤/٢٥ المؤرخ في ٢٠ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٨٩" أن الأمم المتحدة قد أعلنت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، واقتناعاً منها بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع، وإذ تقر بأن الطفل، آي تترعرع شخصيته ترعرعا آمناً ومتناسقاً، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم، وإذ ترى أنه ينبغي إعداد الطفل إعداداً آمناً ليحيا حياة فردية في المجتمع وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء".
وهذا النص المُنمق لا أدري أين دفن حينما مزقت الصواريخ والطائرات والبنادق الأمريكية والبريطانية أجساد الأطفال الأبرياء في العراق خلال تسعينيات القرن الماضي ثم في مرحلة الاحتلال الأمريكي وحتى الأيام القليلة الماضية؟
كلامنا عن حقوق الأطفال في العراق لا يتجاوز حق الحياة بسلام وأمان، وليس المقصود به الوصول إلى الحقوق الطبيعية الأخرى ومنها التعليم والصحة والبيئة الصحية وغير ذلك من الحقوق البسيطة الواجب توفيرها لكل طبقات المجتمع، وبالذات الأطفال منهم لأن الكلام عن جميع هذه الحقوق صار ضرباً من الخيال.
في العراق - وبعد عقد ونصف من الزمان- صار أطفال الماضي القريب- من جيل الحروب والضياع- في عمر الورود، والكثير منهم حرموا من فرصة عيش مرحلة الطفولة، بل عاشوا بمراحل مليئة بالرعب والإرهاب والقتل وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، وغالبيتهم لم يتمكنوا من مواصلة التعليم الرسمي نتيجة استمرار العمليات العسكرية لعدة سنوات في العديد من المدن، وبالذات تلك المناطق الساخنة، ومنها محافظات الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين وغيرها، وغالبيتهم ما زالوا في مخيمات غير صحية، أو في ظروف لا تسمح لهم بالاعتناء بدراستهم أو تحصيلهم الدراسي.
والأمر لم يتوقف عن عدم إكمال الدراسة بل إن بعض أطفال هذه المدن صاروا هم المسؤولون عن توفير لقمة العيش لبقية أفراد العائلة بعدما طحنت آلة الحرب الأب، أو الأخ الأكبر.
وفي منتصف شباط/ فبراير الماضي، حذرت منظمتا اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية " من مخاطر يتعرض لها ربع مليون طفل عراقي، يعانون الفقر وثلاثة ملايين تركوا الدراسة، وربما تكون حدة القتال تراجعت في العراق، إلا أنه قد أضر بحياة الملايين في جميع أنحاء البلاد، ليترك واحدًا من بين كل أربعة أطفال يعاني الفقر ويُرغم الأسر إلى اتخاذ تدابير غير اعتيادية للبقاء على قيد الحياة".
وتقول زينة علي أحمد، المديرة الإقليمية لبرنامج الموئل في الدول العربية، "الأطفال هم الأكثر تضررًا في النزاعات، وينبغي إعطاء الأولوية في العراق إلى التعافي وإعادة الإعمار في المناطق الحضرية، ودعمها بشكلٍ كافٍ وتنفيذها بسرعة، مع إيلاء اهتمام خاص للسكان المستضعفين، بمن فيهم الأطفال".
ومع هذه الإحصائيات المذهلة كيف يمكن السعي لتقديم الأفضل لأطفال المدن التي كانت مسرحاً لعمليات عسكرية قاسية حتى فترة قريبة، والذين وجدوا أنفسهم في بيئة لا تصلح للحياة، وليس للدراسة وطلب العلم؟
إن من أهم واجبات الحكومات هو حماية جميع أبناء الشعب وبالذات تلك الفئات الضعيفة، ومنهم النساء والأطفال والشيوخ والعاجزين، وعليه ينبغي على الحكومة السعي لإيجاد مدارس خاصة بأبناء المدن المتضررة.
وبمناسبة قرب انتهاء العام الدراسي الحالي بعد عدة أشهر، ومن أجل إعطاء الوقت الكافي للمعنيين لدراسة المقترح، نطرح هنا تنظيم فكرة تلك المدارس بالتفصيل الدقيق، وهذه الفكرة يمكن أن تكون على النحو الآتي:
-         تشكل لجنة من عدة وزارت ومنها التربية والتعليم والصحة لدراسة هذا المقترح، والسعي لتطبيقه، بكل السبل الممكنة.
-         إعادة تأهيل المدارس بالنسبة للطلبة العائدين لمدنهم، أو ترتيب مدارس في أماكن تواجدهم في المخيمات وغيرها.
-         تقييم الحالة الصحية والنفسية للطلاب لأن أكثرهم صُدموا من هول الصور المرعبة التي وقعت أمام أعينهم.
-         ترتيب منهج خاص ولائق ومرحلي – مؤقت- لأبناء تلك المدن حتى يلتحقوا بأقرانهم من أبناء المدن التي لم تشهد عمليات عسكرية.
-         ترتيب مناهج مركزة، يتم فيها اختصار عامهم الدراسي لنصف عام حتى يتسنى لهم اللحاق بأقرانهم.
-         ينتهي العمل، أو التدريس الخاص بهذه المدارس بعد وصول طلبة المدارس الخاصة من أبناء المدن المتضررة لذات المراحل التي وصل إليها أقرانهم في المدن الآمنة، ثم يتوقف العمل بهذه المدارس الخاصة.
إن أطفال العراق هم حلمنا الذي نأمل أن نراه في الغد يقود البلاد وسط هذه الأمواج العاتية، وهم الرجال الذين نأمل أن نرى من بينهم المهندس والمحامي ورجال الأعمال والمعلم والعالم والطيار وغير ذلك من التخصصات في العلوم الإنسانية والتقنية والعسكرية.
إن استمرار استهداف الأطفال وبقاء التجاهل، أو التعامي الحكومي والدولي والإقليمي لما يجري في العراق من ظلم وإهمال وتهميش للملايين من الأطفال وغيرهم بحجة وجود عملية سياسية هو نوع من التآمر على حاضر العراق ومستقبله.
الأطفال هم الحلقة الأضعف في دوامة العنف والسياسات المتناحرة في بلاد الرافدين؛ ولهذا ليس من المروءة والإنسانية سحقهم وتضييع مستقبلهم، وجعلهم ضحية لسياسات طائفية، أو ربما غير عادلة وانتقامية!
الاهتمام بتربية الأطفال جسدياً وتربوياً وفكرياً ومعنوياً هو اهتمام بحاضر البلاد ومستقبلها، فمتى نستوعب هذه الحقيقة؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!