الدراما التمثيلية والواقعية


تلعب الدراما التلفزيونية دوراً كبيراً في إيصال الحقيقة والقضية والتاريخ والتسلية لملايين المتابعين لشاشات التلفاز، وهذه واحدة من الحقائق التي لم يعد بالإمكان القفز عليها لأن الدراما المميزة تترك بصماتها بقوة في فكر المتابعين وسلوكهم وتوجهاتهم.
والدرَامَا بحسب ما عرفها معجم اللغة العربية المعاصر: "تأليف شعريّ أو نثريّ يقدِّم حوارَ قصّة يعالج جانبًا من الحياة الإنسانيّة".
والمُخْتَصٌّون يقسمون الدراما إلى ثلاثة أنواع رئيسية:"الكوميديا، وهو التمثيل الذي يهدف إلى إضحاك المتلقي، والتراجيديا، وهو التمثيل الذي يملأ قلب المتلقّي بالحزن، والتراجيكوميدي، وهذا النوع يمزج بين السخرية والتراجيديا".
إن قضية الدراما العراقية في عراق ما بعد 2003 ليست مسألة ثقافية بحتة وإنما هي مسألة سياسية قبل أن تكون فنية وثقافية، وذلك بسبب سطوة القوى الحاكمة وتزايد نفوذها حتى أن المسؤولين والمدراء في غالبية القطاعات الفنية هم من أحزاب لا علاقة لها بهذا الجانب الدقيق، وربما – كانوا – يحرمون أو يفسقون من يتخذ من الفن مهنة إنسانية له.
بعد الاحتلال هاجرت الدراما العراقية إلى سوريا، ومن هناك تم إنتاج بعض المسلسلات التي امتاز بعضها بالإبداع في العمل لكن رغم ذلك لم تصل – في الغالب- إلى مرحلة منافسة الدراما السورية والمصرية والتركية وغيرها، لأن الدراما العراقية بقيت مسلوبة الإرادة نتيجة الظروف الأمنية والسياسية والمالية غير المشجعة على العمل بحرية والنقد، أو محاولة التوصيف للواقع بحيادية.
العديد من مسلسلات الدراما العراقية اليوم ما زالت – كحال السياسيين– تتحدث عن النظام السابق، وتسعى لنقل بعض الصور السلبية من تلك الحقبة، وكأننا نعيش اليوم في أوضاع وردية مليئة بالإعمار والأمان.
المتابع للدراما العراقية قبل العام 2003 يجد أنها تناولت مواضيع خطيرة، ومنها قضايا هدم الاقتصاد الوطني وتهريب الآثار ومن ذلك مسلسلات ذئاب الليل ورجال الظل وغيرهما من المسلسلات التي نقلت الواقع بلا رتوش.
وبعد العام 2003 لم نشاهد– بحسب ما أعلم- دراما واقعية عدا مسلسل "حب وحرب"، بطولة الفنان قاسم الملاك، الذي نقل بعض صور الإرهاب ومن زاوية واحدة فقط، وكذلك مسلسل (فوبيا بغداد) الذي تصدى لظاهرة اغتيال العلماء في العراق بعد العام 2003 وتم إنتاجه في سوريا، وأخرجه وشارك فيه الفنان المبدع حسن حسني، وأيضاً مسلسلات"غسل ولبس"، و"زرق ورق" وغيرهما، وغالبية هذه المسلسلات – عدا "فوبيا بغداد"- تناولت الواقع العراقي من زوايا الفساد المالي ولم تتطرق لظواهر القتل المنظمة والتهجير وسطوة المليشيات وغيرها من صور الإرهاب وذلك لتحاشي الأطراف المالكة للحكم والسلاح لأنها قادرة على فعل ما تريد دون أن يكون هنالك رادع لها من قانون أو سلطة.
الفنان العراقي كاظم القريشي ينسب أسباب تراجع الدراما العراقية إلى "غياب الدعم المادي والضعف الإداري المسؤول عن التلفزيون والقنوات والإعلام"، ويضيف "نحن قادرون على إنتاج 10 مسلسلات بسعر دبابة واحدة!".
الدراما لها دور كبير في نقل حقيقة الأوجاع في الوطن. ولديها - في الحقيقة- صور كثيرة جاهزة للإنتاج والتمثيل، ومنها انتشار القتل بأساليب مختلفة، وقصص التهجير المرعبة، وحالات النزوح الإجباري المخيفة، وحكايات اللجوء المؤلمة، ومسلسل الأنين الذي لا ينقطع من العوز، والبطالة، والمخدرات، والظلم، والمعتقلات وغيرها العشرات من الصور  الكافية لإنتاج مئات المسلسلات الدرامية.
الدراما العراقية لا يمكن أن تدخل إلى ميادين البناء والمنافسة طالما هي مكبلة بالأجندات السياسية، وبسياسة غض البصر عن بعض الأطراف خوفاً من سطوتها، وكذلك لاستمرار الإهمال الحكومي للدراما وأهميتها في إيصال رسائل ايجابية لتخليص المجتمع من الظواهر السلبية ومنها ظواهر انتشار السلاح غير الرسمي والفساد وغير ذلك من الآفات التي تنخر جسد العراق.

ينبغي الاهتمام بالدراما لتقف بوجه الحالات السلبية في المجتمع والدولة على حد سواء وذلك لأثرها في تثقيف المتابعين، وقدرتها على توجيههم الوجهة الايجابية ولإمكانياتها الفنية العالية في انتقاد ظواهر الخراب، وهذا لا يكون إلا بتوفير الدعم المالي وإعطاء الإعلام سقفاً أعلى لحرية العمل بعيداً عن إرهاب المجاميع المسلحة الضاربة لمفهوم الدولة المدنية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى