عصابات سياسية!




يتزايد في كل يوم دور الشباب العراقي في السعي لإحداث تغيير حقيقي في البلد، وهذه ظاهرة ايجابية تبشر بخير وتدعونا جميعاً للوقوف معها ودعمها لأن الشباب هم الأرضية الصلبة لتضميد الجراح، وترميم الخراب، ولا يمكن أن نتوقع مستقبلاً زاهراً لبلد ما بدون أن يكون شبابه من محبي الحرية والساعين للتغيير الايجابي.
وقد لاحظنا - أنه ومنذ المظاهرات المليونية في العام 2013 وحتى المظاهرات المستمرة اليوم في أكثر من مدينة- أن الشباب متواجدون وبوضوح في ميادين المظاهرات، وهم يرفعون شعارات واضحة وحضارية تؤكد تمسكهم بالوطن ورفضهم لمظاهر الغموض السياسي والإهمال والتقصير في المجالات الضرورية لحياة المواطنين ولتأمين مستقبلهم.
ومع هذه الأجواء المليئة بالأمل بغد أكثر طمأنينة برزت ظاهرة ترهيب المتظاهرين بطرق مباشرة وغير مباشرة، وقبل أسبوع تقريباً أقدمت "عصابة سياسية" على اختطاف سبعة شباب من تيارات المجتمع المدني في منطقة البتاوين ببغداد واقتادتهم بسيارات رسمية لجهة مجهولة.
وبعد ضغوط بحملات ومظاهرات ميدانية وإعلامية أكدت وزارة الداخلية العراقية أنه " جرى إطلاق سراح المختطفين في عملية لم يفصح عن مضمونها. وأن وزير الداخلية قاسم الاعرجي اشرف شخصياً على عملية الإطلاق التي تكللت بنجاح، بعد ساعات من قيام مليشيات مسلحة "مجهولة الهوية" بمداهمة سكن الناشطين ببغداد واعتقلوهم أمام الجميع ومضوا بسياراتهم الشبيهة بالرسمية مدججين بالسلاح"، إلى هنا انتهت قصة الشباب السبعة، لكن أبعاد هذه القضية شائكة ومعقدة من كافة النواحي السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. 
دخول أركان الأمن في العراق – رئيس الحكومة ووزير الداخلية- في مفاوضات رسمية مع المليشيات الخاطفة يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة ثَبت فيها أن هذه العصابات باتت طرفاً فاعلاً ومؤثراً ومعلناً وقوياً وعصياً وخارجاً عن القانون، وهم قوة فوق القانون، ولا يمكن للحكومة أن تحد من قدراتهم لأنهم نجحوا في أكثر من مرة في إحراجها وتحديها، وإجبارها على الدخول في مفاوضات مباشرة، ودفع إتاوات وهبات من أجل الإفراج عن مختطفين لديهم!
وهذه هي المرة الثالثة خلال بضعة أشهر تدخل فيها الحكومة في مفاوضات مباشرة مع الخاطفين. ففي الحادثة الأولى تم الإفراج عن الصيادين القطريين مقابل "فدية خيالية"، وكانت بتدخل مباشر من رئيس الحكومة، وقبلها تم اختطاف الزميلة أفراح شوقي وأيضاً أفرج عنها بعد تدخل "شخصيات سياسية ثقيلة".
المثير للاستغراب أن الحكومة – وفي جميع هذه الجرائم- تعرف الجهات الخاطفة بدليل أنها تفاوضت معهم – حتى وإن ذكرت وزارة الداخلية في بيانها أنها مليشيات مسلحة مجهولة الهوية، وتوصلت معهم لتفاهمات معينة من اجل إطلاق سراح المختطَفين، وإلا لا يعقل انتهاء هذه المغامرات دون تحقيق أي مكاسب مالية أو سياسية لتلك العصابات الخاطِفة، هذا من جانب، ومن جانب آخر رأينا أن الحكومة – وكأنها مؤيدة للعصابات الخاطِفة- لم  تتحرك لملاحقتهم قضائياً!
حكومة بغداد ترجع سبب ازدياد ظاهرة الاختطاف إلى شمول هؤلاء بقانون العفو العام! والحكومة - حتى في تبريرها لأسباب هذه الظاهرة - تناولتها من جانب طائفي وغير منطقي لأنها تعلم أن الغالبية العظمى من المعتقلين المشمولين بقانون العفو هم من المظلومين ومن محافظات محددة بشهادة الكثير من شركاء الحكومة والقضاة، ولا أرى أن هذا السبب هو الذي أدى لازدياد ظاهرة الاختطاف.
السبب الحقيقي في ازدياد جرائم الاختطاف هو ضياع هيبة الدولة، وعجزها عن نشر الأمن، ووفرة السلاح وعجز – أو تواطؤ- بعض الأجهزة الأمنية مع هذه العصابات.
مافيات الاختطاف الرسمية العلنية تؤكد أن البلاد تعيش في مرحلة حرجة لا يصح معها أن نطلق عليها لفظ "الدولة" لأن الدولة تعني: المؤسسات القادرة على نشر الأمن في ربوع البلاد، والحكومة اليوم - شبه عاجزة- عن بسط سيطرتها على معظم أرجاء العراق.
محاولات تكميم أفواه شباب العراق لن تقود لإنقاذ الوطن، والخلاص الحقيقي يكون برعايتهم وتحقيق طموحاتهم لا باختطافهم وترهيبهم وحماية الخاطِفين!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى