حيرة وطن!





المليشيات هي السلطة الأبرز في الشارع العراقي، على الرغم من ادعاء رئيس الحكومة حيدر العبادي أنها منضبطة وتأتمر بأمره. إذ إن واقع الحال لا يؤكد هذا الادعاء، ومن يقول خلاف هذا الكلام ليس في العراق، ولا يعرف أي حقيقة عن هذه البلاد المختطفة باسم العملية السياسية، وبحجة مكافحة الإرهاب.
يمكننا أن نؤكد حقيقة أن المليشيات أقوى من الدولة، أو من الجيش والشرطة العراقيين -وهما، بلا شك، يمثلان الدولة العراقية- بشهادة أحد أقطاب العمل السياسي والعسكري في العراق، وهو هادي العامري زعيم مليشيا "بدر"، الذي أكد في كلمة خلال الاستعراض العسكري لمنظمته في قضاء الدور -30 كم شرقي تكريت- نهاية آب (أغسطس) الماضي أن "قوات بدر أصبحت أقوى من الجيش العراقي والشرطة العراقية"، وأنها "حققت انتصارات رائعة في مختلف جبهات القتال وتمكنت من طرد عناصر داعش منها".
المليشيات وغالبية عناصر الجيش في العراق هما وجهان لعملة واحدة. وسبق لبعض قادة الاحتلال الأميركي أن أكدوا دخول المئات من عناصر المليشيات في الأجهزة الأمنية والجيش. وهذا الكلام في السنوات الأولى للاحتلال الأميركي للعراق، فيما استمر دخولهم حتى مرحلة ما بعد تشكيل مليشيات "الحشد الشعبي"،  بدليل ما ذكرته صحيفة "التايمز" البريطانية في بداية شباط (فبراير) 2015، نقلاً عن مصدر إيراني، بأن "الجيش العراقي، وبناءً على تعليمات من الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، سيقوم بتجنيد مقاتلين من المليشيات المدعومة من إيران، خصوصاً من مليشيات منظمة بدر". 
فهل الجيش هو منظمة مليشياوية رسمية، أم مؤسسة رسمية تنشر السلم والأمن والأمان والطمأنينة في كل شبر من أرض الوطن؟!
وكدليل على مصداقية الادعاء أن الأجهزة الأمنية في العراق أصبحت في غالبيتها مؤسسات لا تُعد -في نظر غالبية المواطنين- داعمة للسلم المجتمعي، وباسطة للأمان، تبرز التجارب السابقة، وآخرها ما وصلني من أحد أبناء مناطق حزام بغداد، الذي ذكر في رسالته أنه: "يوم الثلاثاء الماضي، وتحديداً في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، داهمت قوة من الحرس الوطني وهم ملثمون منزل الشيخ قيس المشهداني، إمام وخطيب جامع الكيلاني الكبير في قضاء الطارمية شمالي بغداد الواقع ضمن الجامع، واقتادوه إلى جهة مجهولة". وبعد ثلاثة أيام عثر بعض المصلين على جثة الشيخ في محل مهجور مقابل الجامع، وهي منتفخة ومقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وعليها آثار تعذيب وإطلاقات نارية. وبعد الجريمة بثلاثة أيام اعتقلوا أخاه مع أولاده وأطلق سراحهم بعد أن أخذوا منهم تعهدات بعدم الشكوى ضد القوات الإجرامية التي ارتكبت هذا الفعل الإجرامي.
هذه الجريمة ارتكب مثلها المئات في بغداد وبقية المدن، وكأنها خطة مرسومة لضرب الرموز الدينية والعشائرية والاجتماعية. فهل يعقل أن الدولة تستمر بانتهاج سياسة غض الطرف عن مرتكبي الجرائم الرسمية من عناصر يمثلونها؟!
فهذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فما الذي يدفع هذه القوات للاستخفاف بأرواح المدنيين، وأين الدولة ودورها في الحفاظ على حياة المواطنين، ثم إلى أين يتجه المواطن إذا كانت الأجهزة الأمنية هي التي ترعبه وتختطفه وتغتاله؟!
هذه التصرفات غير المسؤولة ليست بريئة، وإنما يراد منها تكميم الأفواه ونشر الرعب، والاستمرار بعمليات التغيير الديموغرافي في مناطق حزام بغداد وديالى وصلاح الدين وغيرها من المحافظات المنكوبة، رغم أننا نتمنى أن تبقى مثالاً للتعايش السلمي بين العراقيين.
الدول -بصورة عامة- في حالة الحرب ينبغي أن تسعى إلى تحشيد الجماهير، على الأقل لترتيب الجبهة الداخلية. وكلامنا هنا عن الحكومات الوطنية العادلة، على خلاف الحال في بغداد. وعليه، كان الأجدر والأولى بحكومة العبادي أن تؤسس لمرحلة ما بعد "داعش" عبر سياسة حكيمة مليئة بالعدل والإنصاف، وعدم التمييز والتفريق بين المواطنين.
إنها حيرة وطن لا يعرف أهله أنهم يحزون عنقه بسكين متآكلة، فهل يستحق العراق من أبنائه هذا النكران للجميل والسعي إلى نحره وتدمير مكانته، وتخريب عمرانه، وقتل أهله وتهجيرهم وإذلالهم؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!