الحياة وسط اليورانيوم!



اليورانيوم المنضب هو أحد مشتقات اليورانيوم الطبيعي، وأحد أسلحة الدمار الشامل؛ إذ له قدرة تدميرية هائلة على الأحياء والجمادات، واستخدم في بعض الحروب المتأخرة، وبالذات في العراق، وكانت نتائجه مؤلمة وكارثية.
وقذائف اليورانيوم المنضب تطلق من المدافع الأرضية والجوية، وتبث في الهواء أكسيد اليورانيوم الذي يسبب السرطان وأمراضاً أخرى كثيرة.
ومنذ الأيام الأولى للمواجهة العراقية مع المحتل الأميركي، وتحديداً في معركة مطار صدام الدولي العام 2003، بدأت الشكوك تحوم حول استخدام جيش الاحتلال الأميركي لأسلحة محرمة في "حرب التحرير"، والتي تؤكد انتهاك قوات الاحتلال للقوانين الدولية في استهدافها للجنود بأسلحة تحوي يورانيوم منضب. وبالطبع هذا ما نفته -وما تزال- الإدارة الأميركية ووزارة دفاعها بشكل قاطع.
اليوم في العراق هناك العديد من السرطانات المنتشرة، خصوصاً بين الأطفال. منها سرطان الدم، وسرطانات الجهاز اللمفاوي والدماغ وأورام الجهاز العصبي. وقد تضاعفت إصابة الأطفال بسرطان الدم في مدينة البصرة -على سبيل المثال- ثلاث مرات خلال الخمسة عشر عاماً الماضية.
وقبل يومين، أعلنت شبكة المعلومات الإقليمية المتكاملة (مقرها العاصمة الكينية نيروبي)، حصولها على وثائق -عن طريق منظمة مدنية تدعى (PAX) مركزها هولندا، ومؤسسة تسمى "التحالف من أجل حظر اليورانيوم"- تؤكد "استخدام الطائرات الأميركية سلاح اليورانيوم المنضب في الحرب على العراق العام 2003"، وأن تاريخ الوثائق يعود إلى العام 2003 (وهي عبارة عن تقرير حول نتائج تحليل عينات أعطيت لجامعة جورج واشنطن العام 2003، إلا أنه لم يتم نشرها إلى الآن).
ويشير التقرير إلى "116 غارة شنتها طائرات أميركية من طراز A-10، استهدفت خلالها "أهدافاً سهلة" كالسيارات والشاحنات ومواقع عسكرية، بأسلحة تحوي اليورانيوم المنضب. وشملت الغارات 16 بالمائة منها الأبنية، و35.6 بالمائة أهدافًا سهلة، و4.2 بالمائة جنوداً، و10.4 بالمائة مدافع، و33.2 بالمائة دبابات".
وفي نهاية العام 2015، صدر كتاب بعنوان "التلوث الإشعاعي والمضاعفات الصحية لحروب الخليج" للدكتور كاظم المقدادي، أوضح فيه -وفقاً لما قدره البروفسور كاتسوما ياغازاكي (Katsuma Yagasaki) من الهيئة العلمية في جامعة ريوكيوس في أوكيناوا في اليابان- أن "اليورانيوم المنضب الذي استعمل في العراق يساوي في ذريته ما يعادل 250 قنبلة ذرية، وأنه أُطلقت على العراق خلال الحربين 1991 و2003 كمية هائلة من ذخائر اليورانيوم خلفت أكثر من 2200 طن متري من اليورانيوم المنضب".
ويضيف المقدادي أن "العقدين الأخيرين شهدا انتشاراً للأمراض السَرطانية في المجتمع العراقي على نحو كارثي، وبلغت الإصابات السَرطانية أكثر من مليون إصابة مسجلة رسمياً، وما يزال العدد يرتفع باستمرار". وأن "أطفال العراق هم الضحية الأولى للأمراض السرطانية"، وأن "العراق صاحب أعلى معدل لوفيات الأطفال في العالم، ويشكل 8 % من حالات السرطان كافة في العراق، مقارنة بـ1 % في الدول المتقدمة".
وسبق لنقابة العسكريين الهولندية أن فجرت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكدت استخدام "قذائف اليورانيوم المنضب في العراق وأفغانستان، وتصاعد احتمالات إصابة القوات الهولندية بأمراض السرطان، نتيجة تعرضهم للتعامل مع هذه الأسلحة أثناء تواجدهم في العراق وأفغانستان".
وزارة البيئة العراقية من جانبها سبق أن أكدت "وجود 300 موقع مدني ملوث، و63 موقعا عسكريا ملوثا نتيجة العمليات العسكرية، وتحتاج إلى مليارات الدولارات وعشرات السنين لمكافحة هذا التلوث".
وسط هذه الحقائق المؤلمة والمخيفة، يتبادر للأذهان الدور الغائب لحكومة بغداد، المنشغلة بقضايا غالبها ثانوية، وتغض الطرف عن "إرهاب اليورانيوم" الذي يحصد حياة العشرات يومياً.
من أهم واجبات الحكومة في الدول المعتبرة الحفاظ على حياة الإنسان وصحته، والعمل لتقديم الأفضل للوصول لسعادة المواطن. والقطاع الصحي العراقي تنخره سوسة الفساد، ويعاني من آفة اللامبالاة التي سحقت الوطن والإنسان على حد سواء!
هذه هي حال العراقيين؛ حياة وسط السيارات الملغمة، والعبوات الناسفة والطائرات القاصفة، وإرهاب اليورانيوم! فهل يستحق العراقيون هذه الجرائم المركبة التي ترتكب بحقهم في كل ساعة، والحكومة المحلية ومجلس النواب والمجتمع الدولي يتفرجون؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى