السلام المأمول لدار السلام




تحاول الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تحتفل بالعديد من القيم المعتبرة في حياة الإنسانية، ومنها السلام، لزيادة وعي الشعوب بهذه المفاهيم، وديمومة التذكير بأهميتها، ولهذا خصصت المنظمة الدولية يوم 21 أيلول (سبتمبر) للاحتفال سنوياً باليوم الدولي للسلام في كل أنحاء العالم.
والسلام هو الحلقة المفقودة في البلدان التي تعيش وسط بحور الدماء والخراب والانتقام، والمنشغلة بأخبار القتل والحرب والإرهاب، وكأنهم في كوكب آخر على النقيض من سكان الجزء الآخر من الكرة الأرضية الذين يعيشون في عالم مليء بالأمان والسلام والمحبة.
في بعض بلدان الشرق نجد لون الدم هو الذي يملأ الحدائق العامة، بدلاً من الورود والأزهار التي تبث روح الأمل والطمأنينة، ونلاحظ أن الخراب والتدمير وانتشار الهمجية والجهل هي المناظر الطاغية على المشهد العام للبلاد، بدلاً من الإعمار والبناء والتقدم العلمي الذي يدعم الوطن وأهله، وكذلك نشاهد روح الانتقام تسري في حياة بعض المواطنين، فالمواطن الذي لا يجد دولة عادلة ولا قضاءً منصفاً، سيحاول أخذ حقه بيده، وبالنتيجة تنتشر روح الانتقام وتتكاثر.
المشكلة الرئيسة في العراق الآن هي إنكار، أو تجاهل الآليات، أو الأسباب التي تقود إلى العنف المتناقض تماماً مع السلام، وذلك نتيجة السياسات الانتقامية والطائفية التي تمارسها الحكومات المتعاقبة، ومنها قوانين اجتثاث البعث، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، للكثير من مسؤولي الدولة العراقية السابقة، وأيضاً المزاجية أو الانتقائية في غالبية فقرات قانون العفو العام، الذي لم نر حتى الآن ثمرته على الرغم من التطبيل الإعلامي - الحكومي والبرلماني- للقرار، وكذلك إهمال ملايين العراقيين المهجرين في داخل الوطن وخارجه.
وكل ما ذكرناه بكفة وآفة استمرار انتشار السلاح بيد المليشيات بكفة أخرى، لأن هذه الآفة - بحد ذاتها- قاتلة للسلام الذي لا يقوم في دول تُحكم بالعصابات، والزعامات المتنوعة، بل يعم السلام في البلدان التي تُدار وتنظم شؤونها بالقوانين التي لا تفرّق بين مواطن وآخر، أما سيادة قوانين الفلتان الأمني فهذا الحال يؤكد ضعف وهشاشة الدولة التي هي اللاعب الأبرز في التأسيس للسلم المجتمعي، عبر تطبيق القانون بكل شجاعة وحزم، وليس بالخطابات الرنانة، والشعارات المنمقة.
وأرى أن تغاضي الحكومة وغالبية أطراف العملية السياسية عن وجود، أو حقوق الطرف الآخر في المعادلة العراقية، والموجود بكثافة في داخل العراق وفي غالبية دول العالم القريبة والبعيدة. وأن محاولتهم تجاهل دور هذا الطرف، وعدم السعي لتحقيق مطالبه المشروعة، هو تماماً كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال حينما يداهمها الخطر، وهي في الواقع كمن ينتظر رصاصة الرحمة من الطرف المهاجم، وعليه لا بدّ من إعادة النظر في آلية التعامل مع شركاء الوطن، الذين يدّعون - بعقلانية وموضوعية- لأهداف وطنية لا يمكن أن يختلف عليها اثنان لأنها بالمحصلة تصب في مصلحة السلم المجتمعي ومستقبل البلاد وأهلها.
العراقيون الأحرار كأن لهم رأي آخر في يوم السلام العالمي واحتفلوا قبل أيام بهذه المناسبة بعيداً عن الجانب الرسمي حيث أقاموا مهرجاناً للسلام في حدائق شارع أبي نؤاس ببغداد، ليقولوا للعالم: إن العراق بلد السلام لكن قوى الشر هي التي لا تريد السلام والأمن لمدينة السلام.
السلام هو فن العيش المشترك ونبذ العنف وتقاسم رغيف الخبز، فهل سياسة إطلاق يد القوى الشريرة وغض الطرف عنها ستؤسس لدولة التعايش والسلام؟
أعتقد أن السلام ينبت حينما نجد حكومة عادلة، وبرلماناً وطنياً وشرطةً نقيةً ومسؤولين محبين لوطنهم وشعبهم، أما السلام القائم على الخطابات والاحتفالات والشعارات فهو سلام صوري هش، لا يمكنه أن يصمد بوجه قوى الشر التي تعتاش على دماء الشعوب الضائعة بسبب غياب الحكومات المنتمية للوطن.
وأتصور أن السلام يمكن أن ينمو في بلادنا حينما نسقي شجرة الحب، ونكافح جذور الكراهية، ونساند الخير، ونحارب الشر، فهل حال العراق اليوم بهذه الصور الوردية أم أن كوابيس الواقع أقوى من أحلامنا التي لا ندري متى ستجد الأرض الخصبة للنمو والتحقيق؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى