قنابل مدمرة تحت قبة البرلمان العراقي!





مع استمرار حالة الانهيار الواضحة في عموم الدولة العراقية، بدأت محاولات بعض الأطراف الحكومية والنيابية رمي الكرات في ملاعب الآخرين، ونسوا أو تناسوا أننا اليوم في عالم التكنولوجيا المخيفة التي تنقل كل شي في لمحة بصر. وربما تناسوا أن العراقيين عرفوا حقيقة اللعبة. ولهذا، فإن كل الأساليب التي يُراد بها تغطية الفشل، أو تبرئة الذات، بلا دليل، لم تعد تُمرر على المواطنين.
قبل أسبوع تقريباً، نشرت الدائرة الإعلامية للبرلمان العراقي جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي، المثيرة للجدل، والتي لم تُنشر إلا بعد تسريب بعض المقاطع التي صُورت عبر أجهزة هواتف بعض النواب؛ فاضطرت الدائرة لنشر الجلسة كاملة لأن الأمر لم يعد بالإمكان التستر عليه.
وزير الدفاع المُستجوب بدأ منذ لحظة دخوله للبرلمان إعداده العدة لقلب الطاولة على شخصيات مهمة داخل المجلس وخارجه؛ إذ ألمح منذ بداية الجلسة إلى "محاولة ابتزازه وعقد صفقات فاسدة معه بمبالغ ضخمة من قبل بعض النواب". وبعد أن أُحرج من بعض النواب بضرورة كشف هذه الأسماء، وإلا سيكون البرلمان مجتمعاً ضده، بدأت القنابل تتوالى داخل قبة البرلمان. 
كانت أولى شظايا تلك أصابت رئيس البرلمان سليم الجبوري، الذي اتهمه العبيدي بمساومته على "عقد إطعام الجيش، وقيمته تريليون وثلاثمائة مليار دينار عراقي". فيما أصابت الشظية الثانية النائب محمد الكربولي، وأصابت الثالثة النائب السابق حيدر الملا، متهما إياه بمساومته على مليوني دولار مقابل إلغاء استجواب سابق تقدمت به النائب حنان الفتلاوي. وطالت بقية الشظايا النائب عالية نصيف، صاحبة طلب الاستجواب، وكذلك النائب طالب المعماري، وشخصا يدعى باسم الراوي، اللذين قال إنهما ساوماه على عقد سيارات "مرسيدس".
السؤال الملح هنا ما الذي دفع العبيدي لكشف المستور؛ هل نحن أمام مرحلة جديدة في العراق؟ ربما يمكننا أن نسجل هنا الملاحظات الآتية:
1 - توقيت تفجيرات العبيدي جاء بعد إعلان حكومة حيدر العبادي إصدارها أمراً ديوانياً يقضي بهيكلة "الحشد الشعبي" وتحويله لصنف مواز لقوة مكافحة الإرهاب. وهو ما أثار لغطاً كبيراً في الشارع العراقي، بسبب ارتكاب "الحشد" جرائم مناهضة لحقوق الإنسان، بتأكيد منظمات محلية ودولية. كما جاءت تصريحات العبيدي مع استمرار المظاهرات الشعبية في عموم مدن الوسط والجنوب المطالبة بالإصلاحات، وهذا يعني أن الحكومة حولت أنظار الجماهير من عدة زوايا إلى زاوية واحدة، هي تصريحات أو قنابل العبيدي البرلمانية! 
2 - لا يمكن القول إن ما دفع العبيدي لتفجير هذه القنابل الحارقة والقاتلة هو صحوة ضمير. وهذا ليس طعناً بالرجل، لأن الذي حدث قبل الجلسة وأثناءها وبعدها يؤكد أن الرجل رتب أوراقه مع القوى الفاعلة داخل التحالف الوطني وبعض القوى الكردية، ولهذا رأينا كيف أنه كان واثقا من نفسه ولم يعر أهمية للاستجواب.
3 - أثناء جلسة الاستجواب، ألمح العبيدي لبعض الأسماء، فلاحظنا إلحاحاً واضحاً من نواب من التحالف الوطني بضرورة كشف هذه الأسماء، وكأن أمراً ما دُبر بليل!
4 - بعد كشفه للأسماء، صرح العبيدي داخل البرلمان أنه لا يخاف، وأن ميادين القتال تشهد له. وكأنه يريد إظهار نفسه زعيماً، أو ربما منقذاً للعراق من الفساد والفاسدين. وهذا ما أثبتته زيارته التي تلت الجلسة لمدينتي الكاظمية والأعظمية اللتين تمثلان بعداً دينياً وسياسياً معروفاً للجميع؛ ويفسر ما يمكن أن نسميه المستقبل المتوقع للعبيدي في العراق، أو كما يقال "تطبيق نموذج السيسي في الساحة العراقية".
5 - من المحتمل أن المجلس سيشهد العديد من جلسات الاستجواب لشخصيات لم تبرز للمشهد حتى الآن، وهذا يعني أن حرب الملفات ستستمر بين البرلمانيين لعدة أشهر.
6 - أعتقد أن النتائج المتوقعة من هذه الجلسة -إن لم تكن بترتيب مع الأطراف الأخرى- هي ربما التضحية بالعبيدي، أو ربما سيتم التضحية بالنائبين الكربولي والمعماري.
7 - أخيراً، أظن أن البلاد ستذهب إلى انتخابات برلمانية مبكرة للخروج من هذا المأزق البرلماني والسياسي الذي لا يمكن توقع تداعياته بسهولة.
لا يمكن القضاء على هذا الكم الهائل من الخراب والفساد والتآمر على الوطن إلا بحكومة وطنية مستندة لقضاء عادل غير مسيس، وهذا ما نحلم به لعراقنا الذي لا نعرف إلى أين يتجه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى