خطوات باتجاه بناء الوطن




تختلف الشعوب والدول من حيث أهدافها وأحلامها؛ فهناك شعوب تحلم بحقوق إنسانية بسيطة لا تتعدى حق الحياة، وحفظ الكرامة الإنسانية ولقمة العيش، بينما شعوب أخرى تطمح وتحلم بالوصول إلى القمر والمريخ. وتختلف أهداف وأحلام وطموحات الشعوب تبعاً للواقع الذي يتأثر بمجمل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
الشعب العراقي اليوم صارت تطلعاته محدودة، ربما لا تتعدى الحلم بحكومة وطنية جامعة، وقيادة واعية قادرة عن إعادة بناء الدولة وتحفز المواطنين للإيمان بحب الحياة والوطن، وضرورة الانتماء الحقيقي لبلدهم. لكن الواقع يدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم -ربما- يطلبون المستحيل.
في مطلع الأسبوع الحالي، شاركت في ورشة بمنتدى عبدالحميد شومان، أدارها بامتياز الدكتور محمد السريحين. وأثناء الورشة تطرق المحاضر لقضية التخطيط للأهداف والأحلام، وأهمية تحديدها في الوصول لنجاح الأفراد والمؤسسات.
وهنا خطرت ببالي قضية تحديد أهداف العراقيين في هذه المرحلة الحساسة من تاريخهم، بعد أن وجدوا أنفسهم -في بعض الأوقات- خارج إطار المعقول والمقبول، لأن حياتهم تاهت بين الدولة الغائبة، والمليشيات، والسلام المفقود.
وحقيقة إن الأهداف إن لم تكن محددة، فهذا يعني أن عجلة الحياة ستبقى تدور في حلقة مفرغة لا نصل معها لنهاية واضحة المعالم، تحقق أدنى المستويات المقبولة لحياة حرة كريمة آمنة للمواطنين. وأعتقد أن من أهم الأهداف الواجب على العراقيين الوطنيين السعي إلى تحقيقها حتى يصلوا إلى مرحلة إعادة "الأمل المفقود" لبلدهم هي:
- ضرورة إيجاد قيادة وطنية قادرة على وضع الرؤى الاستراتيجية القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى. وأهم الخطط القريبة المدى إيجاد دعم عربي ودولي للوقوف مع القوى الوطنية في مطالبها المشروعة.
- وجوب بث روح الأمل بالوطن وإعادة هيبة الدولة بنظر المواطن، وتشجيع حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية الوطنية، وإنهاء دور السلاح غير الشرعي في الحياة العراقية.
- إطلاق حملة إعلامية وطنية تؤسس لمرحلة جديدة بعيدة عن تأثير الأحزاب التدميرية، وتدعم فكرة تقديم المجرمين والقتلة وسراق المال لمحاكم عادلة، بغض النظر عن مواقعهم في الحكومة والأحزاب الحاكمة.
- طمس معالم الماضي المؤلمة، ومحاولة إيجاد غد مشرق للمواطنين، والسعي إلى فتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة بمفهوم الإقناع وليس بمنطق القوة، لأن السلاح اليوم لا يُقنع، بل يُرهب ويُدمر ويُخرب.
- إظهار نقاط التلاقي بين العراقيين والتركيز عليها، والعمل على إذابة جميع المواطنين -غير الملوثين بالدم العراقي وسرقة المال العام- في بوتقة المواطنة، وعدم التمييز بينهم وفقا للدين أو المذهب أو الانتماء العرقي والمناطقي.
- التركيز على دور التعليم في صنع أجيال وطنية غير ملوثة بالأفكار التقسيمية. وهذا يتطلب الاهتمام بالمعلم والمدرس والمنهاج، وهو بحاجة إلى لجان وطنية عاملة لوضع الخطط الضرورية لهذه الخطوة الحيوية.
- العمل على وضع خطط تدريب وطنية شاملة في دوائر الدولة كافة؛ الرسمية وغير الرسمية، لتغيير أنماط التفكير، والسعي إلى دفن التفكير السلبي، وإبراز التفكير الايجابي البعيد عن الأحقاد وروح الانتقام والدم.
إن من أهم الأهداف الواجب التركيز عليها هي بناء عقلية المواطن. ومن دون السعي إلى تغيير هذه العقلية نحو الغد المشرق والأمل الدافع للإبداع وحب الوطن والحياة، لا يمكن أن نحقق أي منجز واضح في الميدان.
إن محاولات غالبية المسؤولين السعي لأن تكون ردود فعلهم أقل من الحدث، ليس من السياسة بشيء. بل المسؤول المخلص هو الذي لا يكذب على الجماهير ولا يخدعها، وهو الذي ينقل لها الحقيقة، عدا ما يؤثر على الأمن الوطني.
إن العراقيين بحاجة إلى إنعاش حالة الانتماء للوطن التي ضيقت عليها عدة أسباب، منها المليشيات وغياب الحكومات العادلة. ومن نقطة الحكومة العادلة الجامعة، يمكن أن ينطلق القطار العراقي على السكة الصحيحة الموصلة للأمن والبناء والعطاء والغد المشرق.
أتمنى أن لا أكون من الحالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى