استراتيجية الفوضى والخداع!


مرة أخرى، نسمع تصريحات مُحذرة من احتمالية انهيار سد الموصل، بحجة عدم إمكانية البنية التحتية الصمود تحت ضغط ملايين الأمتار المكعبة من المياه، نتيجة التصدعات الكبيرة الحادثة في أسس السد.
وسد الموصل هو السد الأكبر في العراق، ويبعد أقل من 50 كيلومترا شمالي الموصل. وقد بنته الحكومة العراقية السابقة العام 1983، على مجرى نهر دجلة، وطوله حوالي 3.2 كم، وارتفاعه 130 متراً. وله فائدة لوجستية واقتصادية كبيرة؛ إذ يوفر مياه الري والكهرباء للموصل والمدن المجاورة.
بعض الخبراء أكدوا أن "مشكلة سد الموصل قديمة، وتم التعرف عليها في بداية تشغيله، وتتلخص بوجود طبقات جبسية في أعماق جزء من أسسه، وفي الكتف الأيسر للخزان. وتتم معالجتها من خلال حقن الأسس بالإسمنت والبنتونايت. وأن التنبؤ بانهيار السد لا يستند على أي أساس علمي".
فرضية انهيار سد الموصل تعني أن طوفاناً كبيراً سيغرق الموصل والرمادي وتكريت وبغداد، وسيدمر غالبية المشاريع والبنى الفوقية والتحتية في تلك المدن.
وفلسفة الأرض المحروقة ربما ستقود بعض زعماء التحالف الدولي وزعماء المليشيات إلى حرق الأخضر واليابس، بإغراق الموصل عبر تدمير سد المدينة، ليدعوا بعد ذلك أنه دُمِّر نتيجة للارتجاجات الأرضية، بسبب المعارك المرتقبة في المدينة، مما يعني أن المدينة -بمن فيها- ستكون في خبر كان، بالإضافة إلى خراب الأنبار وصلاح الدين، وبعض مناطق بغداد! 
وكلامنا ليس مبنيا على الخيال؛ إذ سبق لبعض وسائل الأنباء أن نقلت عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن موظف في سد حديثة قبل عدة أشهر، قوله: إن "مسؤولاً عسكرياً أخبره بأنهم قد يحتاجون لفتح بوابات السد". فأجابه الموظف بأن "فتح بوابات السد سيغرق البلدات والقرى ويؤذيكم أيضاً". إلا أن المسؤول العسكري أكد أن "فتح السدود سيكون ضدهم، وضد أعدائهم".
ورغم أن تصريح المسؤول العسكري الأميركي يتعلق بسد حديثة في الأنبار، إلا أن الكلام يحمل دليلاً على إمكانية استخدام السدود في الحرب المستمرة في الموصل وغيرها، وذلك ضمن استراتيجيات الدمار التي يراد منها نشر الخراب لتحقيق "انتصارات باهظة الثمن"!
والمثير للريبة والشكوك أن هذه التصريحات ربما هي خدعة أو مقدمة لفعل متوقع، يتم فيه ضرب السد، وتدمير مدينة الموصل، وذلك ضمن استراتيجية الفوضى والإرباك والخداع. وربما تهدف عملية ضرب السد من قبل القوات الحكومية وقوات التحالف إلى تحقيق الآتي:
- رجحان كفة المعركة لصالح القوات الحكومية والكردية البعيدة عن مجاري تدفق المياه. 
- نشر الارتباك في صفوف "داعش" بعد توقعات بوصول المياه إلى خمسة أمتار، وفقاً لمدير السد عبدالخالق أيوب، الذي أكد لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنه "في حال انهيار السد فقد يؤدي إلى مصرع نحو خمسمائة ألف شخص، وقد تصل المياه إلى بغداد، وتغمر بعض المناطق فيها بارتفاع خمسة أمتار". وهذا يؤكد أن الخسائر البشرية ستكون كبيرة في صفوف المدنيين العزل، وبالذات في الموصل والأنبار وصلاح الدين وبغداد.
- جرف آلاف الألغام المزروعة الآن في محيط الموصل، وبالتالي تكون الطريق سالكة للسيطرة على المدينة.
- الألغام المجروفة مع السيول ستكون سبباً لمقتل مئات السكان في المناطق التي ستصل إليها مع أمواج الفيضانات.
- انتشار الأمراض والأوبئة في المناطق الواقعة في مناطق الفيضان المحتمل.
إن دخول سد الموصل ضمن استراتيجية المعركة المرتقبة -بين القوات الحكومية ومليشيات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة المدعومة من القوات الأميركية وغيرها من الجنسيات، والمتواجدة حالياً في محيط الموصل، من جهة، وبين مقاتلي تنظيم "داعش" الذي يسيطر على الموصل منذ حزيران (يونيو) 2014، من جهة أخرى- يمكن أن يتسبب بكارثة إنسانية واقتصادية وبيئية.
الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن بال جميع الذين يزعمون أنهم يحبون العراقيين، هي أن مقاتلي "داعش" لا يمثلون أكثر من 1 % من مجموع سكان الموصل والأنبار وبقية المدن، وبالتالي لا يمكن تقبل فرضية ارتكاب مجازر إنسانية بحق المواطنين العزل بحجة القضاء على "داعش"!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى