السيادة والسياسة والزهايمر


الذين يقولون إن السيادة هي وصف للدولة الحديثة يعني "أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها، وعلى ما يوجد فوقه أو فيه"، نقول لهم: إنكم واهمون، ولا تعرفون مفهوم السيادة!
ولمن يريد أن يعرف مفهوم السيادة عليه أن يتكرم بزيارة العراق بعد العام 2003، ليتعلم السياسة والسيادة معاً من أعمق مناهلها، ومنابعها، ومن أبرز مُعَلِّميها على مَرِّ العصور!
السيادة لها مفاهيم خاصة بساسة العراق، وكل من يقولون بخلاف ذلك فهم يغردون خارج السرب ولا يعرفون من علم السياسة شيئاً، والدليل أنه - وبعد أن صار العراق بأجوائه وأرضه مسرحاً لقوات أجنبية بعضها معلومة الهوية وغالبيتها مجهولة - صرنا نسمع بعض السياسيين العراقيين يتحدثون عن السيادة في البلاد!
وهنا سنتناول آخر صور السيادة العراقية:
1. رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي أبديا انزعاجهما قبل يومين لأن القوات التركية دخلت إلى الموصل، وتحديداً إلى مدينة بعشيقة، والعجيب أن مُعَلِّمي السيادة يعرفون أن القوات التركية موجودة في بعشيقة منذ أكثر من عام، وكل الذي حصل هو مجيء قوات بديلة لتلك القوات القديمة!
فأين كانت السيادة، والحرص على العراق طوال العام الماضي، أيها السادة؟!
2. قبل خمسة أيام التهبت وسائل الإعلام المتنوعة بجدال سياسي بين غالبية السياسيين العراقيين – ومنهم رئيس الحكومة - بعد الحديث الأمريكي عن إرسال قوات خاصة للعراق، حيث أعلن هؤلاء الساسة رفضهم لتلك القوات الأجنبية!
هذا الموقف السياسي المتلون حَيْر الكثيرين!
ونحن - أيضاً - نريد أن نقف على حقيقة المبادئ التي يسير عليها هؤلاء الساسة، وذلك لأن غالبيتهم جاؤوا بالمحتل الأمريكي للعراق، أو جاؤوا على ظهور طائراته ودباباته، وهم الذين تعاونوا معه في مرحلة ما بعد الاحتلال بعد أن نصبهم المحتل على رقاب المواطنين، وهم حتى اللحظة جزء من المشكلة نتيجة سياساتهم الطائفية والمتخلفة في إدارة عموم الملفات في البلاد.
كأن هؤلاء الساسة يلعبون مع الأمريكيين والعراقيين لعبة القط والفأر!
فعن أية سيادة يتحدث هؤلاء "الزعماء" اليوم؟!
3. كافة قطعات الحشد الشعبي، بكافة فصائلها القديمة والجديدة، أبدت اعتراضها وممانعتها للتدخل الأمريكي والتركي، وقالوا إنهم سيقاتلون هذه القوات!
ونقول لهم: لماذا لم تقاتلوا تلك القوات حينما أحرقت الأخضر واليابس، وبقيت في عراقنا حتى نهاية العام 2011، بل كنتم خير سند لها، وشاركتم معها في الولوغ بدماء العراقيين؟!
فعن أية مقاومة يتحدث هؤلاء اليوم؟!
4. أكثر من نصف مليون زائر إيراني اقتحموا حدود الوطن عبر منفذ زرباطية الحدودي، وجميعهم من الشباب، بعد أن حطموا المنفذ وعبثوا بمحتوياته، ودخلوا بالقوة، ولا ندري متى يخرجون من العراق، وما هي المهمة الرئيسية التي جاؤوا من أجلها، ناهيك عن التواجد الإيراني العلني العسكري في البلاد؟!
فأين السيادة أمام هذا الفعل الشنيع يا ساسة "العراق الجديد"؟!
5. المليشيات الطائفية اختطفت أكثر من ( 1390) مواطناً أنبارياً قبل يومين. فبعد أن أبلغتهم الحكومة بضرورة إخلاء منازلهم "خوفاً عليهم من الضربات الجوية"، خرجت مئات العوائل مع نسائهم وأطفالهم، وبعد خروجهم أوقفتهم المليشيات في منطقة الرزازة، واقتادت الرجال والشباب إلى جهة مجهولة، وحتى الساعة لا أحد يعرف مصيرهم، وكأنه أمر دبر بليل!
ويبقى السؤال المُحَيِّر: عن أية سيادة يتحدث هؤلاء الساسة؟!
مُوَاظَبَة هؤلاء الساسة على خداع الجماهير العراقية عبر إظهار الحرص على سيادة الوطن، هي حيلة لمحو الماضي الأسود الذي جاؤوا به بالمحتل الأمريكي لغزو العراق، وهي - في الواقع - جزء من عملية تصفية الحسابات السياسية بين الشركاء، ولعبة لقلب الطاولة على العبادي وإحراجه في هذا الملف المرفوض شعبياً، وخدعة لتغيير قواعد اللعبة، ورجوع رموز العملية السياسية السابقين لسدة الحكم من جديد!
أظن أن الزهايمر الفكري قد أصاب غالبية هؤلاء السياسيين، ولا أعتقد أن هذا الداء يمكن أن يصيب ذاكرة العراقيين كما أصاب هؤلاء الساسة!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى