عيدنا وعيدكم!




أيام تمضي، وسنوات تجري، وعمر ينقضي، وغربة تنهك الروح، وتدمر الجسد. والمحصلة؛ موت في الغربة، ودفن في مقابر الغرباء. هذه هي حال غالبية الوطنيين العراقيين في زمن الديمقراطية الدموية، بعدما أجبرتهم النظم المستوردة -الداعية للحرية المزيفة، والمغلفة بالإرهاب- على الهجرة والابتعاد للنجاة بحياتهم وشرفهم.
في أوقات التهجير والتقتيل والتشريد والاختطاف والتعذيب والتنكيل والحيص بيص، يأتي العيد! وبكل مرارة نقول: ليته لم يأت! نعم، ليته لم يأت، لأنه يثير الشجون، ويحرك العواطف، ويهز الوجدان!
العيد؛ ذلك الزائر المتجدد، والمفترض أن يكون يوماً للاحتفال، ومليئاً بالبهجة والسرور، هو في الغربة يوم البكاء على العراق الجريح، والأهل البعيدين، والذكريات المسافرة مع الريح. وكل ذلك لأننا أُجبرنا على ترك ديارنا، ولأننا نعشق بلادنا بصدق، وبلا رتوش، ولذلك دفعنا الثمن غالياً وصرنا غرباء لا نعرف متى نعود لبلادنا!
أيها السياسيون المتسلطون على حكم العراق، تنعّموا بخيرات الوطن، واقتلوا، واعتقلوا، وانشروا الرعب والخوف بين أهلنا بصورة علنية وسرية، واسرقوا، وانهبوا، واضحكوا، وخادعوا، وادعوا التقوى، وتظاهروا بالزهد، ومثلوا أدواراً سياسية مختلفة اجتماعية، ودينية، وسياسية، ثم ماذا؟!
أتدرون ما العاقبة؟! مصيركم سيكون كمصير غيركم من الحكام المجرمين، الذين نسوا أنفسهم، وصاروا في لحظة إلى محرقة التاريخ. وكراسي الحكم اللعينة لو دامت لغيركم ما وصلت إليكم. وأنتم تعلمون -قبل غيركم- أن الشعب العراقي الحي لن يترك سفينة البلاد بلا ربان!
صحيح أيها الساسة أن غالبيتكم مدعومون من أطراف دولية وإقليمية! وصحيح أن مليشياتكم -الرسمية وغير الرسمية- تُرهب الأخيار من العراقيين! وصحيح أنكم تمسكون الآن بزمام الأمور، وتلعبون بالبلاد ومقدراتها كما يلعب الأطفال بالكرة! وصحيح أنكم أجبرتم منْ يعارضكم على ترك الساحة لكم ببطشكم، وغياب القانون!... كل هذه الحقائق صحيحة، وصحيحة جداً، لكن الأصح منها أن الدعم الدولي والإقليمي لن يصمد أمام إرادة الشعوب الحرة الحية. وأن مليشياتكم ستجد نفسها في ساعة من هذا الزمن المتقلب في قبضة القانون الوطني العادل، وستردعها -حينها- عدالة القانون. وستعرفون -لكن بعد فوات الأوان- أن العراقيين لن يصمتوا على الباطل، وهم رغم صبرهم يعرفون متى سيضربون، وكيف سيسددون ضرباتهم لمن آذاهم، والتاريخ القريب يشهد لهم.
التجربة علمتنا أن السياسة هي فن التعامل مع الآخرين. إلا أنكم لم تحسنوا لعبتها، وبالمصلحة حرقتم الأخضر واليابس.
عيدنا في الغربة -وبسببكم- لا طعم له، ولا معنى لمجيئه لأنه يوم البكاء، والحسرة، وتجدد الآلام!
غالبيتكم أيها الساسة تسببتم في:
- قتل روح المواطنة والانتماء للوطن لدى مئات الآلاف. والدليل أفواج المهاجرين نحو المجهول للخلاص من شروركم.
- قتل طعم الحياة لدى الكثير من أبناء الشعب، وبالأخص المهجرين في الداخل والخارج. وآخر ضحاياكم انتحار رجل من أهالي الموصل بمعسكر المهجرين في كركوك بعد أن ضاقت به السبل، وهو أب لثمانية أطفال، لم يجد ما ينفقه عليهم، فاتجه نحو الانتحار للهروب من جحيم إهمالكم!
- تمزيق معاني الفرح والابتهاج في العيد -وغيره- حتى صارت الحياة لدى ملايين العراقيين مجرد سنوات تمضي وتجري.
- زرع روح الطائفية بين نسبة غير قليلة من المواطنين بسبب سياساتكم الطائفية المقيتة، التي هي -أي السياسة الطائفية- سفينة النجاة بالنسبة لكم، ومن دونها لن يكون لكم أي مكان في بلاد الرافدين!
أيها الساسة، أنتم -ومن نصبكم من الأميركيين- السبب في جميع الكوارث الإنسانية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، التي أنهكت العراق وأهله!
افرحوا بعيدكم وسنفرح بعيدنا وكل يحتفل بطريقته الخاصة!
عيدكم هو بقاؤكم أطول وقت ممكن في حكم الوطن، لأنها فرصتكم التاريخية في النهب، وجمع المال الحرام! فيما عيدنا الحقيقي هو عيد الوطن؛ وهذا لا يكون إلا عند خلاص البلاد من الأشرار، والقتلة، والمجرمين، والخونة، والعملاء، وسرّاق المال. وحينها سنحتفل بعيدنا المليء بالحب والرفاهية في أحضان الوطن، الذي يسكن فينا رغم الجراح!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى