عذراً يا عراق!



في القلب أمل، ممزوج بالألم؛ وفرحة مخلوطة بالأسى؛ وأرواح أرهقتها الغربة، وتطاردها الذكريات، وتلعب بها الأيام! ورغم كل هذه المنغصات، نريد أن نفرح بالعيد، وبمشاعره التي لا نريدها أن تموت، أو على الأقل أن تُصيبها حمم زمن القتل والكراهية، أو زمن الحضارة الدموية!
العيد هو الفرح، والسلام والمحبة، والتسامح والتكاتف والتعاطف؛ هذه هي بعض معاني العيد الجميلة والممتعة والمميزة في الحالة الطبيعية. أما في حالتنا العراقية الاستثنائية، فإن معاني العيد مختلفة تماماً، لأنها ممزوجة بالدم والإرهاب والخراب والدمار.
عذراً يا عراق! 
فحالك اليوم مؤلمة ومخجلة. مؤلمة لأنها وصلت لمديات لا يمكن تحملها من الضحك على الذقون والعقول، والاستخفاف بالدماء والأرواح. ومخجلة لأننا صرنا مجرد ملايين تحوقل، وتحتسب، ولا حول لنا ولا قوة!
يا عراقنا الجريح: هذه حالك، تسر الغرباء والأعداء، وتُبكي الأحباب والأصدقاء. وحال أهلك في العيد بين التهجير والتخدير والتخذيل والتضييع!
في العيد، قصف حي العسكري بمدينة الفلوجة المظلومة بالبراميل المتفجرة، مما خلف مجزرة مروعة، اغتالت عيد العوائل المتواجدة هناك، ونتج عنها استشهاد ست  نساء وطفلين، وإصابة 15 امرأة وطفلاً آخرين. في العيد، أغلقت الحكومة جسر بزيبز لليوم الثالث على التوالي، والعراقيون -من أهالي الفلوجة، الفارين من الموت- يفترشون الرمال -تحت درجات حرارة مرتفعة وصلت إلى 54 درجة مئوية- لأنهم ممنوعون من دخول بغداد إلا بإحضار كفيل من أهالي بغداد! في العيد حصدت السيارات الملغمة حياة المئات من المدنيين في بغداد وديالى!
في ظل هذه الأتراح والآهات العميقة، كيف يمكننا أن نكتب عن أفراح العيد؟! ماذا تريدني -يا عراق- أن أكتب؟!
العيد في بلادنا له معان لا توجد في غالبية بلدان الأرض. هذه المعاني نُحتت من الحالة الموجودة في عموم وطننا. لكننا رغم هذه الآهات والآلام، نريد أن نكتب عن فرحة العيد. لكن كيف نكتب؟! وماذا نكتب؟!
هل نكتب عن السلام، وأهلنا غابت من قواميس حياتهم معاني هذه الكلمة التي اغتيلت في ظلمات الغدر والهوان؟! أم نكتب عن الفرح، وأهلنا نُحرت في صميم نفوسهم معاني السعادة، والتمتع البريء بالحياة؟!
عيد أهلك يا عراق ليس كبقية الناس! عيدهم سيارات مفخخة، وطائرات ترمي حممها على المدنيين العزل، وبراميل متفجرة تنشر الموت مع تكبيرات العيد في الفلوجة الصامدة! عيد أهلنا سيارات ملغمة تنفجر في الأسواق والطرقات لتحصد الأخضر واليابس.
غالبية زعمائك يا وطني صاروا تجاراً بقضيتك؛ منهم من يثرد بدماء أهله، ومنهم من يتباهى بقصف المدنيين بالمدفعية، ومنهم من تقمص دور المخلص المحب ليتبرع بالدم لجراحاتك يا وطني الجريح!
ما أصعب وجعك يا وطني، لأن غالبية أبنائك هم القاتل، وهم المقتول.
آهات مُزجت بفرحة العيد، وغربة قلبت موازين الحياة؛ حتى صارت معها الحياة مجرد نمو جسدي، وهرم عمري، وتسقيط لفرض الحياة!
هل حياتنا في الغربة تُعد جزءاً من الحياة، أم هي مزيج بين الحياة والموت؟!
في هذه المستنقعات الدموية، والظلمات المتراكمة، والآهات المتلاحقة، تنتظر منا -أيها العراق الحبيب- أن نفرح بالعيد؟! عذراً يا عراق، لا يمكننا أن نرقص على جراحاتك العميقة!
عيدنا الحقيقي: حينما تبقى صامداً أمام الرياح العاتية، التي تجوب زواياك من كل الاتجاهات، وعلى مدار الساعات! 
عيدنا الحقيقي: حينما تحيا بلا دماء، وبلا إرهاب، وبلا سيارات مفخخة، وبلا براميل متفجرة، وبلا هدير الطائرات وأصوات المدافع!
عيدنا الحقيقي: حينما تعود الألفة والمحبة والتسامح بين العراقيين، كما كانت! 
عيدنا الحقيقي: حينما نتكاتف ثانية للخلاص من الكارهين للعراق، بغض النظر عن دينهم ومذهبهم ومنصبهم! 
حينها يمكن أن نحتفل معاً بعيد الحب والسلام والمحبة.
هي ليست أحلاماً بعيدة المنال، لأن الشعوب الأصيلة قادرة على صنع المستحيل. والعراقيون -عرفهم التاريخ- صنّاع للحضارة، ومدارس للحب والعطاء.
عذراً يا عراق فهذه هي طاقتنا، وما في اليد حيلة، لكن ليل الظالمين لن يطول!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى