من يعتقل حمائم العراق؟!



قبل أكثر من أسبوعين، نشرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، خبراً طريفاً مفاده أن السلطات الهندية اعتقلت "حمامة" طائرة، قيل إنهم "يشكّون بأنها مرسلة للتجسس لصالح باكستان، وحاملة رسالة في قدميها، وسلكاً يشبه جهاز تجسس صغيرا".
وقالت السلطات الهندية إن "الحمامة رُصدت على مقربة من الحدود الباكستانية، وتحمل علامات تشير إلى عنوان ورقم هاتف، وأن الرسالة مكتوبة بلغة الأوردو، اللغة الرسمية لباكستان، ورقم الهاتف يعود لرقم باكستاني".
وما تزال الحمامة محتجزة في الهند، وتم تسجيل دخولها السجن تحت بند "جاسوس مشتبه به".
هذه الحكاية فيها الكثير من الرسائل المهمة. منها، القدرة على التنبه للتراسل الدقيق بين الدول. وبغض النظر عن محتوى تلك الرسالة، إلا أن المهم هنا هو القدرة الاستخباراتية في كشف تحركات الطرف المقابل، والإمكانات العالية في حفظ الأمن، سواء من قبل الأجهزة الأمنية، أم من قبل المواطنين الذين هم العين الساهرة لحفظ الأمن في المجتمعات كافة.
هذه الحكاية أجبرتني على مراجعة واقع المنظومة الأمنية العراقية، حيث لا يخلو شبر من هذه البلاد من ضحية لجاسوس محلي أو أجنبي، والدليل استمرار الاعتقالات الكيدية بسبب المخبر السري "الجاسوس المحلي"، والتفجيرات والاغتيالات من قبل الجاسوس الأجنبي والمحلي.
حينما راجعت الموقع الإلكتروني لـ"دائرة المخابرات العراقية"، وجدت أن واجبات هذا الجهاز بحسب المادة (9) من الدستور، هي: "جمع المعلومات، وتقييم التهديدات الموجهة للأمن الوطني، وتقديم المشورة للحكومة العراقية، ويعمل وفقاً للقانون وبموجب مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها".
قبل الاحتلال، كانت هناك رهبة حقيقية من الاقتراب من قضية التجسس، وذلك بسبب الانتماء الحقيقي للوطن، والخوف من العقوبات الصارمة لمرتكبيها، باعتبارها خيانة عظمى. واليوم، لا توجد إحصاءات حكومية أو أجنبية دقيقة عن الجواسيس في العراق.
وفي نهاية شباط (فبراير) الماضي، صرح وزير كبير في حكومة حيدر العبادي، رفض الكشف عن هويته، لإحدى الصحف العربية، حول "رصد الحكومة لنشاط استخباري واسع في مختلف المدن العراقية، لمصلحة 16 دولة أجنبية، ليس بينها أية دولة عربية، وأن العشرات من العراقيين يعملون مع تلك الدول في جمع المعلومات، التي زودتهم بأجهزة اتصال فضائية (ثريا)، لتوفير معلومات يومية حول ما يحصل في مناطقهم، حتى بات العراق مكشوفاً أمامهم، فقد تصل المعلومات الاستخبارية لتلك الدول قبل أن تصل إلى حكومة بغداد، فيما نحن عاجزون عن وضع حد لهذا الموضوع، وحتى إذا قررنا معالجته، فلن نستطيع الآن". 
وفي ضوء هذه الخروقات الأمنية العلنية والمعترف بها حكومياً، يحق لنا أن نتساءل: أين هو دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية أمام هؤلاء العابثين بأمن ومستقبل الوطن والمواطن؟! 
أظن أن الدوائر الأمنية المعتبرة هي التي تتمتع بمزايا دقيقة، منها:
- الشجاعة في قول كلمة الحق، والجرأة في تنفيذ الواجبات المنوطة بها.
- أن تكون هذه الأجهزة عاملة -بكل إمكاناتها- على بسط العدل والخير بين المواطنين، عبر الدقة المتناهية في تقييم الأحداث، والابتعاد عن مواطن الظنون والتبليغات الكيدية.
- السهر على أمن المواطنين بمطاردة الأشرار والإرهابيين.
- الحيادية في العمل، وعدم الكيل بمكيالين بين المواطنين، والابتعاد عن المؤثرات الذاتية والشخصية والحزبية القاتلة لحب الوطن لدى المواطن، وبالمحصلة خلق جيل غير محب للبلد.
- القدرة الفنية والأخلاقية على الحفاظ على كرامة المواطن؛ لأن المواطن الذي يشعر أن كرامته مهانة في بلده لا يمكن أن يكون عامل بناء في المجتمع.
الواقع الحالي للمنظومة الأمنية العراقية يؤكد أنها مقصرة -إن لم تكن عاجزة- في إيقاف تفشي هذا الدمار، ومساهمة في عدم إنصاف المواطن وحمايته. وأعتقد أن من مسؤوليتها -إن كانت تنتمي لبلدها- أن تكثف جهودها لإيقاف أنواع الإرهاب الرسمي كافة، والقضاء على التخريب السياسي والأمني والقضائي والاقتصادي والثقافي والإداري، وجميع هذه الآفات منتشرة في بلادنا اليوم.
وتبقى كذبة "محاربة الإرهاب" هي المدخل لمزيد من الظلم والتناحر والتباغض بين العراقيين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى