وحدة وطن وقلوب متناثرة!



الحديث عن التعايش بين العراقيين في بعض المواقف والمراحل صار كعازف الناي في وسط المدافع والحرائق والخراب والدمار؛ لأن غالبية السياسيين يهمهم أن تنحدر الأمور إلى دمار أكثر من الدمار الحالي، وإلى خراب أشد من الخراب الحاصل، وإلى انهيار أعمق من الانهيار الموجود؛ لأنهم – وببساطة - لا يمكنهم العيش في الظروف الطبيعية.
قبل الحديث عن الأحداث المليشياوية التي وقعت في مدينة الأعظمية ببغداد نهاية الأسبوع الماضي ينبغي أن نفرق بين الموقف الشعبي والموقف السياسي، فغالبية العراقيين لم تصل إليهم حتى الآن شرارة، أو جمرة الطائفية المقيتة، والقلة القليلة منهم حركتهم هذه النبرة السقيمة؛ وصاروا جزءاً من تيارها الجارف الحارق.
ومقابل هذه النسبة القليلة من المواطنين نجد أن غالبية السياسيين من الأحزاب الحاكمة هم طائفيون حد النخاع، لأنهم يعتقدون – وهم على حق – أنهم ماسكون بزمام الأمور، وهم يريدون أن يوصلوا الطرف الآخر( سنة العراق)، إلى قناعة تامة أن" التعايش بين العراقيين غير ممكن"؛ ولذلك فهم حريصون على دعم المليشيات وإخفاء جرائمها، وفي ذات الوقت هم مقتنعون أنهم عاجزون عن حكم البلاد من دون اللعب على وتر الطائفية.
في ظل هكذا أجواء غير صحية صارت المليشيات المتنوعة هي الآمر الناهي في غالبية الملفات الأمنية.
والقوات الأمنية أمامها لا تحرك ساكناً، ولا تسكن متحركاً في الميدان، فهي - إن لم تكن من المليشيات - فإنها تفتح الطريق لجرائمها!
غالبية جرائم المليشيات في السنوات الأخيرة كانت في الخفاء، إلا أن الأمر في الفترة الأخيرة – وخصوصاً بعد تشكيل الحشد الشعبي- تطور وفقاً لتطورات المرحلة؛ وحجتهم في ذلك مكافحة الإرهاب؛ وعليه تشجعت المليشيات للقيام بجرائمها أمام مرأى ومسمع القوات الأمنية الحكومية.
ما حدث في مدينة الأعظمية ببغداد خلال زيارة الإمام الكاظم على يد بعض الزائرين - الذين يمرون سيراً على الأقدام من الأعظمية باتجاه الكاظمية عبر جسر الأحرار الرابط بين المدينتين – يُعد جريمة جديدة تضاف لسجل المليشيات الأسود.
الحادثة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي بدأت حينما أقدمت مجموعة من الزائرين الغوغاء على العبث بمحتويات مبنى هيئة استثمار الوقف السني ثم احراقه، وبعدها حطموا عدداً من المحال التجارية وسرقة محتوياتها وحرقها أمام أنظار القوات الأمنية الحكومية، وأصيب نحو (15) شخصاً من أبناء المدينة بجروح متفاوتة، إضافة إلى إحراق (30)  منزلاً وعشرات السيارات التابعة للأهالي.
وبعد الحادثة صرنا نسمع من أطراف حكومية وغير حكومية نداءات بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
لا شك أننا جميعاً مع هذا المطلب الأساسي، والقاصم لظهر الطائفية في العراق، لكن عن أية وحدة وطنية نتحدث، وأية وحدة نأمل؟!
الوحدة الحقيقية بين العراقيين لا تكون بالصلاة الموحدة ولا بالخطابات السقيمة الخالية من روح الواقع، وإنما تكون بتوحيد القلوب والرؤى والمواقف قبل توحيد الأجساد، أما موضوع الوحدة المنزوعة الروح فهو نوع من زج الكذب في الواقع بالتوقيت غير الصحيح، أو هو نوع من تهوين جرائم المليشيات بلباس وطني؛ لأن غالبية هؤلاء الساسة يعلمون أن حب الدين والوطن له مكانة كبيرة في نفوس وعقول وضمائر العراقيين جميعاً، وعليه فهم يرددون هذه الشعارات من أجل بقاء العملية السياسية، وبالمحصلة بقاء المكتسبات الشخصية والحزبية الضيقة.
 رئيس الحكومة وجميع الزعماء - إن كانوا حريصين على العراق - عليهم أن يجمدوا هذه المليشيات، ويقطعوا طريق الجريمة عليها، بعد أن أُلبست ثوباً دينياً ورسمياً بعد ارتباط الحشد الشبعي بهيئة الحشد التابعة لرئاسة الوزراء!
ما جرى في الأعظمية لا يمكن أن يكون فعلاً غير مدبر، وإنما هو شرارة أرادت بها المليشيات حرق الأخضر واليابس في الوطن، فهل سنتعلم من هذه التجربة، أم أن "حُكماء المصالح" سيمررونها كبقية الجرائم التي وقعت في عموم البلاد؟!

حقاً: لا خير في الحكمة الممزوجة بالضعف والهوان، والحكمة القوية خير من الضعيفة، وفي كل خير!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى