التباكي على العراق!


حال غالبية المواطنين العراقيين في التعاطي مع مجريات الأحداث المرعبة في بلادهم منذ العام 2003 وحتى الآن، هي البكاء بحرقة وألم على ما حلّ -ويحل بهم- من كوارث قلبت الخيال إلى واقع؛ حيث التفجيرات وعمليات الاختطاف والجريمة المنظمة، وقتل الناس بعضهم بعضاً. وغالبية هؤلاء لا يعرفون منْ يقف وراء هذه المؤامرة الدنيئة؟!
مقابل تلك الغالبية -المغلوبة على أمرها- نجد أن غالبية السياسيين في العملية السياسية، لا يبكون العراق وإنما يتباكون! والفرق بين البكاء والتباكي كالفرق بين النائحة والثكلى.
ويذكر علماء اللغة أن: "بَكَى: (فعل)، بكَى علي بُكاءً وبُكىً، فهو باكٍ، والمفعول مَبْكيّ -للمتعدِّي، وبَكَى صاحِبَهُ بُكاءً: حَزِنَ، تأَلَّمَ.
وتباكى: (فعل). تباكى الشَّخصُ: تكلّف البُكاءَ، وتظاهَر به، وكانوا يتباكون على الفقيد أمام الناس".
والتباكي هو حال غالبية الراكبين لموجه السياسة، من المؤيدين والمعارضين. وإلا لو كانت تصريحاتهم نابعة من حرقة حقيقية (غير مزيفة)، لما بقي العراق على وضعه المتردي الحالي منذ أكثر من 12 عاماً، وحتى الآن.
وقبل عدة أيام، وضمن لعبة التباكي الأميركي على بلاد الرافدين، صوتت لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي بالموافقة على "مقترح تمويل تسليح البشميركة والعشائر السُنّية، والتعامل معهما كدولتين".
وينص المقترح المقدم من عضو لجنة العلاقات الخارجية، الجمهوري ماك ثوربيري، على "تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 715 مليون دولار للجيش والقوات الأخرى المرتبطة بالحكومة العراقية، على أن يذهب ما نسبته 25 في المائة منها إلى البشميركة، والعشائر السُنّية".
ومباشرة، صرنا نسمع صرخات، أو ضجيج التباكي من غالبية سياسيي المنطقة الخضراء -عدا الأكراد- بخصوص قرار الكونغرس. وهذه الردود كانت على جميع المستويات البرلمانية والحكومية والدينية (السنية والشيعية). ورفضت بيانات هذه الأطراف مشروع القانون المقترح؛ لأنه "يؤدي إلى مزيد من الانقسامات في المنطقة، ويعتبر تقسيماً للعراق، وتدخلاً بشؤونه".
وعلى الفور، قالت ماري هارف، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، إن: "سياسة الإدارة الأميركية واضحة وثابتة بدعم عراق موحد، وإن العراق يكون أقوى بتوحده، وإن استقراره يشكل عاملاً مهماً لاستقرار المنطقة".
وبهذه المناسبة، نود مخاطبة غالبية السياسيين الذين يتباكون على العراق اليوم، ونقول لهم:
- من الذي زيف الحقائق، وزور الأدلة والمستندات، لإيهام العالم أن العراق يمتلك أسلحة محرمة دولياً؟!
- من الذي جيّش الجيوش لاحتلال العراق، والتي قتلت وهجرت الملايين ودمرت الساكن والمتحرك في البلاد؟!
- من الذي جاء مع جيوش الاحتلال عبر المعابر البرية والجوية، متباهياً بمجيئه تحت مظلة المحتل الغاصب؟!
- من الذي وافق المحتل على خططه الاستراتيجية، التي نُفذت في العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال، ورُسمت في دهاليز السياسة التآمرية، وكذلك في مؤتمري لندن وصلاح الدين؟!
- من الذي نفذ سياسة المحتل تحت عباءة العملية السياسية المتهرئة؟!
- من الذي دعم سياسات التهميش والإقصاء والتقسيم وقتل روح المواطنة، وزرع الفتنة الطائفية بين العراقيين؟!
- من الذي شجع المليشيات على التغول في ربوع الوطن الجريح، وجعلها السيف المسلط على رقاب المعارضين؟!
- من الذي قتل العراقيين بحجة مقاتلة الإرهاب، ووضع رأسه في الرمال؛ متجاهلاً جرائم غالبية الأجهزة الأمنية الحكومية؟!
منْ، ومنْ، ومنْ؟!
عشرات الأسئلة المحيرة، التي تعرفون -أيها الساسة- إجاباتها بدقة. وجميعكم تعلمون منْ القاتل ومنْ المقتول، ومنْ الظالم ومنْ المظلوم، ومنْ الجلاد ومنْ الضحية، ومنْ السارق ومنْ العفيف، ومنْ المجرم ومنْ البريء، ومنْ سيّس القضاء، ومنْ ساهم في تدمير العراق وتخريبه، ومنْ هو الإرهابي، ومنْ هو النقي الجريح؟!
كل هذه الأسئلة هي بعض الآهات التي مُلِئت بها قلوب العراقيين الشرفاء وأرواحهم، الذين ضُيعوا وهُجروا في داخل البلاد وخارجها على يد أبناء جلدتهم.
فإلى متى هذا التباكي على العراق العظيم، ومتى سنجد من يتألم بصدق، ويعمل بجد؛ لتخليص البلاد من الإرهاب السري والعلني، والانطلاق نحو البناء والعمران؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى