عيد وتكاتف وقصف وقتل وتهجير



لكل شعب من شعوب الدنيا عادات وتقاليد خاصة في المناسبات المختلفة، سواء كانت هذه المناسبات دينية أو اجتماعية أو حتى عائلية، وهذه العادات هي جزء من تراث الأمة، وموروثها الحضاري، ومن أبرز المناسبات في العالم الإسلامي، الاحتفال بعيدي الأضحى والفطر المباركين. والعراقيون لهم عاداتهم وتقاليدهم المتميزة في العيد؛ إذ يستقبلونه بشراء ملابس جديدة، والأولوية ـ في الشراء ـ تعطى للأطفال، الذين –ربما- ينامون بملابسهم الجديدة ليلة العيد.
والعوائل العراقية تهتم -كثيراً- بإعداد الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة، وخصوصاً (الكليجة)، وهي لفظة فارسية تعني القرص الصغير، وهي ذات المعجنات التي تسمى في الشام بـ»المعمول».
والكليجة عبارة عن عجينة تُقطع على شكل دوائر صغيرة، ثم تحشى إما بالتمر، أو الجوز، ثم تُصف في طبق معدني، ويأخذها النساء والأطفال، على رؤوسهم للأفران المنتشرة في الأحياء السكنية، وبعد الانتهاء من خبز الكليجة، وفي طريق عودتهم للبيت، يوزع أصحابها بعضها لأطفال الحي، ولكل من يطلب منهم، حيث تكون رائحتها المميزة منتشرة في كل مكان تقريباً.
في العيد، نجد أن العراقيين – رغم كل ما بهم من مآسٍ– يؤكدون تمسكهم بالحياة، ويحاولون نشر الفرحة بينهم، وعادة ما يتعايدون بالعبارة المشهورة: «أيامكم سعيدة»، والرد عليها: «وأيامك»؛ وهم يجعلون من العيد -أيضاً- مناسبة لتناسي الزعل، «الخلاف»، بين الجميع؛ حيث يحاول الأقرباء والأصدقاء إنهاء الخلافات بين المتنازعين، حتى إنك لترى أن مرحلة ما بعد العيد كأنها مرحلة حياة جديدة للناس.
وفي صبيحة العيد نجد أن الأطفال حريصون على الذهاب لأقاربهم؛ للحصول على (العيدية) ـ وهي عبارة عن مبالغ مالية بسيطة تعطى للأطفال، وكذلك توزع من قبل الآباء على البنات المتزوجات وتعد من العادات، التي لا يمكن تجاهلها حتى لدى الفقراء؛ لأنهم حينما يعطون الأطفال؛ يعتبرونه نوعا من الإكرام لأهلهم.
وبعد زيارة الأهل، وتناول طعام الغداء في بيت كبير العائلة، يذهب الناس بأولادهم «للملاعيب»، وهي أماكن الألعاب المركزية، أو المحلية، حيث إن العديد من المدن العراقية، حتى العاصمة بغداد، تنصب في شوارعها، أو في الساحات الفارغة «المراجيح»، وهي عبارة عن أعمدة مثبتة بالأرض تربط فيها حبال؛ ليتأرجح بها الأطفال، وكذلك يوجد في المكان نفسه عربات تجر بواسطة الخيول، يصعد فيها الأطفال في جولة بالحي، ثم العودة إلى مكان الانطلاق، هذا إضافة إلى ركوب الخيل، وعادة ما تكون هذه الملاعيب زهيدة الثمن.
ومن العادات الجديدة التي أُضيف للعراقيين في العيد الأخير هي زيارة العوائل المهجرة في عموم البلاد، وهذا ما فعله بعض المواطنين الكرماء في محافظة المثنى الجنوبية، الذين زاروا بعض العوائل المهجرة في مدينتهم، وقدموا لهم التهنئة والمعونة؛ في محاولة لتخفيف بعض همومهم، التي تراكمت بسبب ترك الديار، وفقدان الأحباب، وهذا جزء من حقوق الأخوة بين العراقيين.
ومقابل هذا التكاتف الاجتماعي نجد أن حكومة العبادي قدمت (هدايا مميزة للمواطنين، وخصوصاً الأطفال)، حيث قال مصدر طبي من مستشفى الفلوجة التعليمي إن: «الفلوجة تعرضت لقصف عشوائي في آخر أيام عيد الأضحى، وأدى إلى سقوط سبعة شهداء (بينهم ثلاثة أطفال)، وإصابة ستة عشر (بينهم أربعة أطفال وأربع نساء)».
وفي اليوم الأول للعيد خرج الآلاف من أهالي مدينة البصرة الجنوبية بمظاهرات عمت شوارع المدينة طالبوا فيها بإنزال القصاص العادل برئيس الحكومة السابق نوري المالكي، بعد أن أحرقوا دمية تمثله، وطالبوا بتقديمه إلى القضاء بسبب ما قام به من جرائم قتل وإرهاب بحق المواطنين! هكذا هو حال العيد في العراق، مليء بالأحزان، ومزخرف ببعض السرور!
متى نصحو على عيد بلا دم، وبلا إرهاب، وبلا قتل، وبلا قصف، وبلا تهجير؟!
هي أُمنيات بسيطة لغالبية شعوب الأرض، إلا أنها بالنسبة للعراقيين -وخصوصاً في هذه المرحلة- بعيدة المنال!
ألا يا ليل العراق المخيف متى تنجلي، بصبح مليء بالحب والأمان والسعادة؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى