أهداف زيارة المالكي للأنبار



من أبشع أنواع الظلم أن لا تطابق الصفة الموصوف، وعليه فإنه من الظلم أن تنادي الحاكم الظالم بقولك أيها العادل، وهكذا مع كل صفة من الصفات الأخرى؛ لأن ذلك كذب ونفاق، وتزوير للتاريخ؛ وظلم للحاكم والمحكوم معًا.

والعراقيون وجدوا أنفسهم اليوم أمام ماكنة إعلامية حكومية تُزيف الحقائق، وتزور الوقائع، وتقلب الحقائق، ومن ذلك قول غالبية المسؤولين في البلاد أنهم ليسوا طائفيين، وأنهم ضد الظلم والفساد، فيما الحال يؤكد أنهم طائفيون حد النخاع، وفاسدون لأبعد العروق والحدود، ويستمتعون في الظلم.

ومن أبرز هؤلاء رأس الهرم في العراق اليوم، وأقصد رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي أكد في كل مناسبة أنه يبغض الطائفية والطائفيين، وأنه حريص على وحدة العراق، فيما أفعاله تدلل على أنه طائفي بامتياز، وأنه لا يعترف بشركائه في الوطن، ولم يكتف بذلك، بل هو مستمر في أذيتهم وقتلهم واعتقالهم وتهجيرهم، وبعد كل ذلك يقول هو لا يميز بين العراقيين!

ومن ضمن سياساته العدائية لشركائه في الوطن؛ حربه المستمرة منذ أكثر من شهر ونصف على محافظة الأنبار الغربية، التي منيت فيها مليشياته بخسائر فادحة بالأرواح والمعدات، وبعد أن وجد أنه في مأزق حقيقي؛ حاول رفع معنويات مليشياته المنهارة، فقام في يوم 15/2/2014 بزيارة خاطفة لقاعدة البغدادي غربي الأنبار.

زيارة المالكي وصفها موقعه الرسمي أنها زيارة ميدانية، وذكر الموقع: "قام رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة اليوم بزيارة ميدانية الى محافظة الأنبار، التقى خلالها بشيوخ عشائر الأنبار ووجهائها، كما تفقد سيادته القطعات العسكرية المرابطة، بمرافقة وزير الدفاع وكالة ومستشار الأمن الوطني والسيد محافظ الأنبار ورئيس مجلس المحافظة وأعضاء الحكومة المحلية وعدد من المسؤولين وكبار قادة الجيش، معلنًا من الأنبار عن خطة متكاملة لإعادة الأمن وبناء المحافظة".

الحقيقة أن الزيارة كانت للقاعدة العسكرية، التي تبعد أكثر من (150) كم عن مركز محافظة الأنبار، ولم يدخل المالكي المدينة، وعاد من القاعدة العسكرية مباشرة إلى بغداد، وكانت وسط إجراءات أمنية واستخبارية مكثفة، فأي زيارة ميدانية تلك التي يتحدث عنها إعلام المالكي؟!

الذي يهمنا هنا، هو قراءة في الأهداف، التي أراد المالكي تحقيقها في هذه الزيارة، ومنها:

-   رفع معنويات جيشه المنهارة، وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة، لأن قوات الجيش الحكومي اليوم تعيش في حالة من الانهيار المعنوي، حتى باتت مسألة الهروب من الجيش من المسائل الشائعة بين صفوف المقاتلين.

-   أراد المالكي طمأنة عشائر الجنوب، التي سئمت من نحر أبنائها في مدينة الأنبار في حرب فاشلة.

-   محاولة الحصول على دعم عشائر الأنبار لتثبيت كيانه، وفي ذات الوقت إشعال فتيل الحرب بين أبناء العشائر في الأنبار، وذلك عبر أكثر من أسلوب؛  ومنها منحه في زيارته الأخيرة "امتيازات خاصة لشيوخ العشائر"، في مقابل تعهدهم بتبني حملة واسعة تستهدف تطهير المحافظة.

-   إعلان المالكي موافقته على مطالب شيوخ الأنبار الذين التقى بهم، دليل على أنه اضطر لهذه الموافقة بعد أن هُزم جيشه في الميدان، ويريد أن يجعل الكرة في ملعب الأنباريين ليختلفوا بين مؤيد ورافض لموافقته، وهذا ما وقع بالفعل.

-   إعلان المالكي "(النصر) من الأنبار؛ وكأنه اكتسح أرضًا أجنبية، وحديثه عن إعمار الأنبار وإنصاف أبنائها"، جزء من الدعاية الانتخابية له ولحزبه الحاكم.

-   محاولة إبراز نفسه كزعيم لجميع العراقيين، وهذا ما لا يتفق مع سياساته الطائفية المعروفة للجميع.

وهنا لا بد من التذكير بأن الكثير من شيوخ الأنبار رفضوا استقبال المالكي؛ لأنه ذبح أهلهم، وهتك أعراضهم، وهم لن يثقوا به ثانية، وكل محاولاته ووعوده، هي لعبة سياسية؛ يراد منها تمييع مطالب أهالي الأنبار بوعود سقيمة، ليس لها أرضية في الحقيقة، وإشغال الأنباريين فيما بينهم، لتخليص ميلشياته من المأزق الحالي، الذي وضعها فيه في حربه ضد أهالي الأنبار.

المستقبل القريب سيؤكد الحقيقة، التي سبق وأن أكدناها في كلمات سابقة، وهي أن المعركة ستستمر، وأن مليشيات المالكي ستبقى في حالة انهيار تام، وأن مرحلة المناطق المحررة بدأت تبرز أكثر وأكثر، وأن المالكي بدأ يعترف بهزيمته العسكرية بطريقة غير مباشرة، وهذه جميعها بشائر خير للعراقيين لبداية مرحلة جديدة، ربما تكون مليئة بالأمل، والإعمار، والقضاء على الطائفية والطائفيين، والتقسيم،  والفساد المالي والإداري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى