ربكة الفكر العراقي



المتابعون لمجريات النشاطات السياسية المستمرة في داخل العراق وخارجه، والمتمثلة بنشاطات الكيانات المساهمة وغير المساهمة في العملية السياسية، سواء كانت تلك النشاطات على أرض الواقع، أم هي واقعة في الإطار الإعلامي فقط، ومنها المقالات السياسية الموافقة، والمعارضة للأحداث في العراق، وهؤلاء المتابعون يكونون- أحياناً- في حيرة من أمرهم.
والمتابعون للشأن العراقي يمكن تصنيفهم على النحو الآتي:-
1.    السياسي الحريص على منصبه، أو بالأحرى الذي يعرف قدر نفسه؛ لذلك نجده يتابع كل ما يُنشر في الإعلام من تقييمات له، أو عليه، وهؤلاء هم قلة قليلة، وردود أفعالهم غير إجرامية، بل ربما- في أسوء الأحوال- يردون عبر مواقعهم الشخصية، أو ببيانات صادرة من مكاتبهم، وبلغة مهذبة ولطيفة.
2.    السياسيون المتربصون بكل ما يكتب ضدهم، وهؤلاء لديهم خلايا إجرامية؛ ترصد أسماء الكُتاب الذين لا تتفق كتاباتهم مع مناهجهم، وهم يشكلون نسبة لا يمكن تحديدها بسهولة، لكنها ليست قليلة، وجميعهم من المشاركين في العملية السياسية.
3.    المثقف العراقي الذي يتابع ما ينشر كل يوم في عشرات الصحف المحلية والأجنبية عن الشأن العراقي، وهؤلاء شغلهم الشاغل الرغبة في معرفة المزيد من الأخبار والتطورات على الساحة.
4.    غير المهتمين بما يجري حولهم من أحداث؛ لأنهم تساوت لديهم صور الموت والحياة، والحرب والسلام، والصحة والمرض، والوطنية واللا وطنية، وهؤلاء يمثلون نسبة معينة لا يمكن تحديدها بسهولة، وهي بكل الأحوال ليست قليلة.
5.    غير المتعلمين، أو الأميين، وغالبية هؤلاء لا يشغلهم ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الالكترونية الأخرى من سجالات ومهاترات وتناقضات كلها تتعلق بالشأن العراقية.
والذي يهمنا هم المثقفون الحريصون على العراق ووحدته وأمنه وثرواته وكرامته وسعادته، وهؤلاء كان الله في عونهم؛ فهم- على الرغم من أنهم مثقفون واعون، ويمتلكون القدرة على التمحيص والتدقيق- يتألمون مما يتابعونه من سجالات ومناحرات على شبكة الانترنت، سواء من خلال التعليقات، أو المشاركات التي يساهم فيها كل من هب ودب، وأحياناً، بأسماء مستعارة وهم (أصحاب الرأي،  أو الموقف اللاوطني) غالبيتهم لا يملكون الشجاعة في كتابة أسمائهم الصريحة.
تدخل مواقع التواصل الاجتماعي، أو بعض الصحف الحكومية فتجد ما يجعلك تشعر بالغثيان؛ لأن كاتب الكلمات المادحة للحكومة يعرف- قبل غيره- أنه مزيف للحقيقة، ومزور للواقع، والمثقف عليه- على الأقل من باب معرفة تفكير الطرف الآخر- أن يمسك أعصابه، حتى يتمكن من قراءة المقالات الفخرية الملمعة للمهزلة السياسية في العراق اليوم، أو على الأقل يمسك نفسه حتى يفهم فحوى الخبر، أو المقال.
أما وسائل الإعلام المرئية فحدث ولا حرج؛ حيث تُظهر القنوات الحكومية، والقنوات الموالية لها، قوات الأمن الحكومية، وكأنهم اُسود في ساحات الوغى، وتظهرهم بمظهر المقاتل المحب لأرضه ووطنه؛ بينما غالبيتهم- مع الأسف الشديد- من المجرمين السابقين، وقطاع الطرق، والمليشيات، واللصوص، وهذه الحقائق أكدتها المداهمات العشوائية لهذه القوات، والتي- يسرق غالبية منتسبيها- خلالها ما خف حمله، وغلا ثمنه!
إن فلترة الأخبار والمواقف والمقالات من الفنون التي يتقنها العراقيون بدقة؛ فالسنوات الماضية جعلتهم يعرفون قراءة ما بين السطور، أو كما يقال يعرفون الكتاب من عنوانه، وما عادت الفعاليات الصورية المغطاة بإسم الدين، أو الوطن، أو المذهب، أو الطائفة تنطلي على غالبية العراقيين بسهولة.
ما يتحمله القارئ والمثقف العراقي ليس سهلاً؛ وإنما هي ضغوط مرهقة للفكر، وربما- أحياناً- مضيعة للوقت والجهد.

المثقف العراقي يعلم أن العراق يستحق منه أن يبذل قصارى جهده؛ لأن الثقافة وفهم الواقع جزء من عملية التغيير المرتقب في العراق، والمرحلة الحرجة التي يمر بها العراق تتطلب من الجميع: مثقفين، ومفكرين، ومواطنين أن يتلاحموا، وأن يصبروا؛ حتى زوال الغمة التي تمر بها البلاد، وحتى وصول سفينة العراق الحر الكريم إلى شاطئ الأمان؛ لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من مراحل البناء والعطاء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى