دار السلام تشكو انعدام السلام!



السلام كلمة مليئة بأسرار لا يمكن حصرها، والسلام هو الحياة والأمل والمحبة والوفاء والصدق والتعاون والتسامح والتغاضي عن زلات الآخرين، وهو بعبارة مختصرة منهج حياة لا يعرف لغة الدم والقتل والإرهاب.

وقبل أيام، وتحديدًا في الحادي والعشرين من شهر أيلول، احتفل العالم باليوم العالمي للسلام، والذي يحتفل به في كل عام، وبحسب الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن هذا اليوم يهدف لتعزيز مُثل السلام في أوساط الأمم والشعوب فيما بينها.

والشعوب الإنسانية الحية -بغض النظر عن عرقها ولونها ودينها- جميعها تأنس بالسلم والسلام؛ لأن الحياة الإنسانية بدون نغمة السلام وألحانه الرقيقة الحنونة ستنقلب لغابة مليئة بالوحوش الكاسرة، وسيحصد الإنسان من الأرض الدماء والخراب والألم والكراهية والتعب، بدلاً عن القمح والماء والمحبة والطمأنينة والراحة.

العراقيون بعد 2003، انقلبت لديهم المفاهيم، فلم يعودوا يفهمون معاني العديد من المصطلحات، ومنها السلام والحياة والأمن والكرامة والحرية، وأصبحت حياتهم مليئة بالعنف والموت والحرب والذل والكبت والحرمان، وكل ذلك في مرحلة الهوان والخراب التي يطلق عليها: "العراق الجديد".

العراقيون نُحر السلام في حياتهم منذ أن تغولت الحكومات القابعة في قعر المنطقة الخضراء على رقابهم، وهجروا السلام منذ أن عشعشت المليشيات في عموم الوزارات، وصارت تنحر وتهجر الأبرياء على الهوية.

 السلام غادر أرض الرافدين منذ أن ساد الجهلاء، وهُجِّر العلماء، ومنذ أن ملئت السجون بالنساء، واغتصبن، وأنجبن خلف القضبان، ومنذ أن اغتصب الرجال في ظلمات المعتقلات السرية، واغتصبت البنت أمام أبيها، والزوجة أمام زوجة، والبنت العفيفة أمام أخيها.

السلام في قاموس العراقيين، يعني تفاهم غالبية السياسيين من أجل تجنيب ردود أفعال خلافاتهم على الشعب، فهم أُس المشكلة، وهم سبب واضح في خراب البلاد ونحرها، وبعد كل خلاف حقيقي أو مصطنع يحترق الشارع العراقي، والمحصلة مئات الأبرياء في قافلة الشهداء والجرحى والمعاقين!
العراقيون بحاجة إلى سلام فعلي يتغلغل في كل ميادين الحياة، ولهذا يتمسكون بالأمل والغد الأجمل، وعليه احتفلت بغداد بيوم السلام على أمل استعادته، والواقع أن العراقيين لا يحتاجون إلى مهرجانات خطابية، وكلام لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا ما تفعله حكومة المنطقة الخضراء وغالبية الدوائر المدنية التابعة لها.

وبمناسبة اليوم العالمي للسلام، عقد ما يسمى «المجلس العراقي للسلم والتضامن» في بغداد مؤتمرًا كبيرًا، ودعا أحمد علي إبراهيم، رئيس المجلس في كلمة الافتتاح إلى استعادة "حركة الشباب الناهض الرافض للعنف والإرهاب والفساد، ليس من أجل وجوه أتعبها ضيم الماضي الملتبس بالفاجعات، وإنما من أجل مستقبل أجيالنا الناهضة".

كلام رئيس المجلس يوهم أن الحاضر مليء بالسلام والنظام، وهو كلام لا وجود له على أرض الواقع؛ لأن جميع من في العراق يعرفون حقيقة الأوضاع المأساوية في بلاد الرافدين، وهم بحاجة إلى أفعال، وليس إلى أقوال!

وفي ذات المناسبة، ناشدت لجنة حقوق الإنسان النيابية  "العراقيين إلى نبذ كل أشكال العنف والظلم (....) وإلى السلام والمحبة رغبة في بناء مجتمع ديمقراطي يحترم الإنسان ويجعله قيمة عُليا  في المجتمع"!

وهذه المناشدة هي هواء في شبك، وذلك لأن السياسيين لم يعد لكلامهم أي صدى في الشارع، وأن غالبيتهم جزء من المشكلة!

وفي يوم 23/9/2013، قال تقرير أصدرته وزارة حقوق الإنسان العراقية "إن أعمال العنف في العراق تصاعدت، حيث إن الارهاب استهدف جميع مكونات الشعب العراقي، وأن هناك دمارًا كبيرًا خلفه الإرهاب، حيث بلغ عدد الأطفال الذين قتلوا على يد العمليات الارهابية (1000) طفل خلال عام 2012".

وهكذا يستمر مسلسل القتل والإرهاب والغدر والتهجير في زمن الموت والرهبة والتعامي عن أبسط حقوق الإنسان، ألا وهو حق الحياة، والحكومة لا تفكر إلا بالأساليب الطائفية المخربة للنسيج الاجتماعي العراقي.

العراق وعلى خلاف عواصم العالم البعيدة والقريبة استقبل "اليوم العالمي للسلام"، بتفجيرات عدة أوقعت ضحايا مدنيين جدد!



وفي يوم 25/9/2013، ذكرت إحصائية أعدتها وكالة «فرانس برس» استنادًا لمصادر أمنية وطبية رسمية عراقية أن "العنف اليومي حصد أرواح نحو (660) شخصًا منذ بداية أيلول/سبتمبر 2013"، فيما شهد شهر آب الماضي مقتل أكثر من (800) مواطن مدني!

في خضم هذا البحر المتلاطم الأمواج المصبوغة بلون الدم، وبسواد الحزن على فراق خيرة أبناء الوطن نتيجة الإرهاب الحكومي والمليشياوي، نجد أن العراقيين ما زالوا متمسكين بالحياة والبناء، حيث أنهم -ورغم الظلام الذي يغلف المشهد اليومي لحياتهم- متمسكون بخيوط الأمل، الذي هو المنارة التي تنير لهم السبيل من أجل وصولهم لشاطئ السلام والأمن والأمان.

مهما تطاولت ألسنة اللهب، ومهما استمر الطغاة في إرهابهم للأبرياء، ومهما استمرت المليشيات الحكومية في تهجيرها وسفكها لدماء المدنيين العزل، يبقى الأمل، وهو السلام، هو الضوء الذي نراه دائمًا في نهاية النفق، وسنصل إليه في يوم من الأيام.

العراقيون بحاجة إلى قيادات تنشر الأمن والسلام بين جميع مكونات الشعب، قيادات تزرع الخير وتقلع الشر، وتبني ولا تهدم، وتنير الحياة ولا تنشر الظلام في أرجائها، ولا أظن أن هذه الصفات موجودة في ساسة المنطقة الخضراء، الذين لا يشغلهم إلا البقاء أطول فترة ممكنة في الحكم!

ملاحظة:
في يوم الأربعاء 25/9/2013، أفاد مصدر في شرطة محافظة بغداد، بأن عائلة من ستة أفراد قتلوا على يد مسلحين مجهولين داخل منزلهم شمالي العاصمة!
فإلى متى هذا الإجرام، والعالم يتفرج؟!f

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى