دعوة لإلغاء مجالس العزاء في العراق



بداية أنا أعتذر عن هذه الدعوة، إلا أن حرصي وخوفي على دماء أهلي في العراق كان هو الدافع لمثل هذه الدعوة، التي ربما يظنها بعض الناس غريبة، أو لا تتفق مع الأعراف السائدة في مجتمعنا.
وبغض النظر عن الحكم الشرعي لإقامة مجالس العزاء الحالية، وبغض النظر عن كل ما يتم فيها من بذخ وإسراف وتبذير، فإنني أعتقد أن التواصل الاجتماعي مهم جداً في مسيرة الحياة الإنسانية، ومن صوره المشاركة في الأفراح والأتراح، التي تعد حالة انسانية متقدمة، تضيف للحياة نكهة مليئة بالحب والتسامح والرقي الحضاري.
ومن أهم مبررات هذه الدعوة– التي هي دعوة مؤقتة تزول بزوال دواعيها- هو كثرة التفجيرات، حيث برزت خلال السنوات الأخيرة في المشهد العراقي ظاهرة استهداف مجالس العزاء من قبل العديد من المليشيات الرسمية وغير الرسمية، وهنا سأذكر بعض هذه التفجيرات:-
في يوم 14/5/ 2008، قتل (30) مواطناً، وأصيب أكثر من (25) بجروح في تفجير استهدف مجلساً للعزاء في منطقة (ابو منيصير) شرقي الفلوجة.
وفي يوم 27/1/2011، قتل (35) شخصاً وأصيب (60) آخرون بجروح إثر انفجار سيارة قرب مجلس عزاء في منطقة الشعلة شمال غرب بغداد.
وفي يوم 18/6/2012، قتل وجرح أكثر من (55) شخصاً بتفجير حزام ناسف استهدف مجلساً للعزاء في منطقة ( شفتة) شرق مدينة بعقوبة.
وفي يوم 14/9/2013، سقط أكثر من (48) شخصاً بين قتيل وجريح؛ في تفجير طال مجلس عزاء في قرية (أورتو خراب) بناحية بعشيقة شمال الموصل.
وفي يوم 21/9/2013، بلغت الحصيلة النهائية للتفجير المزدوج الذي استهدف مجلس العزاء في مدينة الصدر، شرق بغداد، (59) قتيلاً و(133) جريحاً.
وفي يوم 22/9/2013، ارتفع عدد القتلى في الهجوم الذي استهدف مجلس عزاء في منطقة الدورة جنوبي بغداد إلى (16)، بينما بلغ عدد الجرحى نحو (35).
وفي يوم 23/9/2013، قتل سبعة أشخاص وأصيب (30) آخرون بجروح مختلفة جراء تفجير حزام ناسف استهدف مجلس عزاء اقيم في منطقة ( راغبة خاتون) شمال بغداد.
وفي يوم 29/9/2013، ارتفع عدد ضحايا الانفجار الذي استهدف مجلس العزاء في جامع (الامام الحسين) بقرية (البو حمدان) في (المسيب) شمال مدينة الحلة إلى (121) شخصاً بين قتيل وجريح.
وهكذا  تستمر كارثة استهداف مجالس العزاء! والملاحظ على هذه التفجيرات أنها استهدفت جميع أطياف الشعب، وفي عموم العراق تقريباً!
والواقع أن الدعوة لإلغاء مجالس العزاء لها الكثير من المبررات، وهي- في ذات الوقت- ليست دعوة لذبح التآلف والتناصر بين الناس، ولكنها دعوة لوقف نزيف الدم العراقي الجماعي، طالما أن حكومة نوري المالكي وأجهزته الأمنية عاجزة عن حفظ هذه الأماكن، سواء أكانت في القاعات، أو في الجوامع، أو في السرادق التي تنصب في الشوارع.
وأعتقد أن البديل عن اقامة مجالس العزاء هو تكاتف أقرباء ذوي المصاب وأحبابهم؛ وذلك بصنع الطعام لأهل الفقيد، والابتعاد عن التجمع في هذه المناسبات، والاكتفاء بالتعزية، حتى لو كانت عبر الهواتف النقالة؛ لأن الحال لا يحتمل تجمع الناس لفقدان الأمن، بل وانعدامه! ولأن مجالس العزاء هي أرضية خصبة للاستهداف والتفجيرات، وبالتالي وقوع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية.
وكذلك من أبرز مبررات هذه الدعوة أن هذه التفجيرات هي الشرارة التي– ربما- ستشعل نار فتنة طائفية بين العراقيين لا يمكن السيطرة عليها بسهولة.
إذاً هي دعوة لتقليل الخسائر البشرية في أرواح أهلنا العراقيين، وصرخة مدوية في وجه الحكومة العاجزة عن أداء أبسط واجباتها، وهي خطوة في سبيل وقف جريان نهر الدم المستمر منذ سنوات في بلادنا.
العراقيون اعتادوا على القتل والموت والانفجارات، وفي كل لحظة لديهم جنازة، وفي كل يوم لديهم مجلس للعزاء، وهم رغم مرارة المصيبة متماسكون رضاً بقضاء الله وقدره، وتفهماً للحالة الشاذة التي تعيشها بلادهم.

أعتقد أن أهلنا في العراق متفقون على هذه الحقائق، وأظن أنهم سيتفهمون الدوافع الحقيقية لهذه الدعوة البريئة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!