تهجير العراقيين في وضح النهار





التهجير هو إخراج شخص أو مجموعة أشخاص من مدنهم أو أوطانهم بالإكراه، وهو جريمة تُنفذها جهات حكومية رسمية، أو جماعات مسلحة خارجة عن القانون، والتهجير قد يكون داخلياً ضمن حدود الوطن، وقد يكون خارجياً لبلدان أخرى.

وللتهجير أسباب متنوعة، أبرزها الاختلاف السياسي، وانعدام الأمن، وسيطرة المليشيات على مجريات الحياة العامة في المدن التي تشهد جرائم التهجير.


والعراقيون بعد عام 2003 عانوا من نوعي التهجير، الداخلي والخارجي، والمحصلة هنالك اليوم ملايين المهجرين في داخل البلاد وخارجها. وفي هذه الأيام نشطت من جديد -وبلا هوادة- عمليات التهجير المنظمة في داخل البلاد، وخصوصاً في محافظات البصرة وديالى وذي قار وواسط ومناطق حزام بغداد، في وقت تقف فيه الحكومة موقف المتفرج، بل المتواطئ في هذه الجريمة!


وفي يوم 16/9/2013، أكد مجلس صلاح الدين، (170 كم شمال بغداد)، أن المحافظة استقبلت مئة عائلة مهجرة من عشيرة السعدون، التي تقطن قضاء سوق الشيوخ، (35 كم جنوب الناصرية جنوبي العراق)، وناحية الفضلية، ومناطق أخرى من مدينة الناصرية، بعدما أجبرتها المليشيات المدعومة من هذا الطرف السياسي، أو ذاك على ترك مدينتها!


وفي يوم 14/9/2013م أعلنت «دائرة الهجرة» في بابل تهجير (35) عائلة من مناطق المحمودية واللطيفية جنوب بغداد إلى شمال محافظة بابل قسراً لأسباب طائفية.


وشهدت الأشهر الثلاثة الماضية عمليات تهجير منظمة في محافظة ديالى، وخصوصاً في مدينتي بعقوبة والمقدادية، حيث عبثت المجاميع الإرهابية والمليشيات الحكومية بأرواح المواطنين وممتلكاتهم.


التهجير من صور الظلم المستمر في العراق، وهذا النوع من الظلم لا يمكن لكل مفردات اللغات الحية أن تصور مرارته التي تملأ النفس الانسانية مرارة وحسرة في لحظة تركها أو طردها من ديار الأهل، وذكريات الصبا، ومن كل ما تمتلكه مادياً ومعنوياً!


إن مقالاً واحداً لا يمكن أن يصف آلام التهجير، الذي نتمنى ألا يستمر؛ لأن ما يجري من تهجير منظم يراد منه تدمير النسيج الاجتماعي، وأظن أن هذا الهدف -إن تحقق- فإنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، إلا أن الواقع الحالي يؤكد أن العراقيين متماسكون بصورة تستحق الاعجاب والتقدير، وهذا ما أكدته ردود الأفعال الشعبية المناهضة لجرائم التهجير، ففي يوم 14 ايلول 2013 قررت الحركة الشعبية لإنقاذ العراق فرع ذي قار وبالتعاون مع شيوخ المحافظة: «انتداب مجموعة من الشباب المتطوع لحماية إخوتهم العراقيين السنة الساكنين في الناصرية، وخصوصاً في مدن الشطرة والرفاعي والفجر والغراف، الذين تعرضوا للتهديد من قبل العصابات الطائفية التي لا تحسب إلا على نفسها ومن أرسلها».


ومن بين المواقف المشرفة ما ذكره مدير دائرة الهجرة في صلاح الدين، فزع محمد، من أن «الشيخ محمد حسن العطية، تبرع بفتح مزرعته شمالي تكريت، وما فيها من مساكن لإيواء عدد من عوائل السعدون المهجرة من الجنوب، فضلاً عن مواقف إنسانية أخرى من قبل وجهاء المحافظة وشيوخها»!


التهجير يعد من أصعب المراحل التي يمر بها العراق اليوم، وهو ينذر بشرخ اجتماعي كبير إذا ما استمرت الحكومة بتجاهل دورها في ايقاف هذه الجريمة الاجتماعية والانسانية، وعزاؤنا الوحيد في هذا الموقف العسير هو التلاحم الحقيقي بين العراقيين، وهذا ما أكده شباب ذي قار وشيوخها في حماية إخوانهم، وكذلك الموقف المتميز لأهالي صلاح الدين عند استقبالهم لعوائل عشيرة السعدون.


جريمة التهجير التي تقف وراءها بعض أطراف العملية السياسية، وجهات اقليمية معروفة للجميع، هذه الجريمة ستزيد العراقيين صلابة، على الرغم من خطورتها، وسيخرج العراقيون من هذه التجربة الخطيرة بثبات أكبر، وتلاحم أقوى وأشد، وسيقبح الله وجوه كل الذين خانوا الملح والزاد، وغدروا بإخوانهم، وسيبقى هذا الخزي يلاحقهم في الدنيا قبل الآخرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى