هيبة «الدولة» العراقية



جاء في مختار الصحاح، بمادة (هيب): الهَيْبَةُ المهابة، وهي الإجلال والمخافة، وقد هَابَهُ يهابه، والأمر منه هَبْ بفتح الهاء وتَهَيَّبْتُهُ خفته وتَهَيَّبَنِي خَوَّفني، ورجل مَهُوبٌ ومَهَابٌ أيضاً، والهَيُوبُ الجبان الذي يهاب الناس، وفي الحديث: {الإيمان هَيُوبٌ}، أي أن صاحبه يهاب المعاصي). ا. هـ
والهيبة أو المهابة أو الاحترام والتقدير والإجلال والخوف، هذه المكانة لا يمكن فرضها على أحد من الأفراد بالقوة والتسلط؛ لأن الهيبة التي تفرض بالقوة، هي هيبة مبتورة وناقصة؛ وأيضاً لأن الهيبة من المنازل التي تتغلغل للفكر الإنساني نتيجة تصرفات صحيحة تقود للاحترام والمهابة، وعكس ذلك فإن التصرفات السيئة تقود لعدم الاحترام والاستخفاف بالمقابل، سواء أكان من الأفراد، أم من الدول، أم من الأنظمة، بل حتى الأفكار.
وبدراسة الأوضاع العامة ببلاد الرافدين في مرحلة ما بعد 2003، نجد أن غالبية الساسة هناك يؤكدون أنهم يحترمون القانون والدستور، بل إن قائمة رئيس الحكومة، نوري المالكي، هي دولة القانون، والواقع أن عراق اليوم: بلاد بلا قانون، وهذا ما أكدته جملة الأحداث المستمرة هناك منذ عشر سنوات تقريباً.
والدولة القانونية هي التي تفرض هيبتها وحضورها في قلوب أبنائها، ويرى خبراء القانون أن مقومات الدولة القانونية وضمانات تحقيقها، يمكن حصرها بثلاث نقاط، وهي:-
1- وجود الدستور الذي يحدد سلطات الحكومة، وحقوقها وواجباتها، وحقوق الأفراد، وواجباتهم، والعلاقة بين السلطات وشكل الدولة، ونظام الحكم فيها.
2- خضوع الإدارة للقانون؛ وذلك لأن هذا الخضوع يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، ويؤدي هذا المبدأ إلى مبدأ آخر وهو سيادة القانون، ويقصد بالإدارة جميع أجهزة الدولة، وإذا خضعت الإدارة للقانون فإن ذلك يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
3- الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية؛ لأن هدف الدولة القانونية هو حماية حقوق الأفراد وحرياتهم السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والفكرية، والدينية.
وبالعودة لحقيقة الأوضاع العراقية نجد أن الأحداث المتوالية والمتسارعة منذ أكثر من 130 يوماً، أي منذ انطلاق الاعتصامات السلمية الشعبية في أكثر من ست محافظات، وما رافقها من استخفاف حكومة المالكي بالمطالب الشرعية والقانونية للمتظاهرين واعتدائها عليهم واستخدامها للسلاح الحي ضدهم بالحويجة يوم 23/4/2013، وجعلت ساحة الاعتصام السلمية مسرحاً مليئاً بالدم وجثث الأبرياء من الشيوخ والشباب، الذين لم يعتدوا على أحد، وكانوا يطالبون بأن يعيشوا كبقية شعوب الأرض بحرية وسلام، بل إن تلك القوات أتمت جريمتها بقتل الجرحى، وهذا ما أكدته عشرات التسجيلات الفيديوية، ومئات الصور التي التقطت من أرض الجريمة، أقول: هذه الأحداث جعلت بعض الحاقدين على الشعب العراقي من السياسيين وغيرهم، يبررون هذه الجرائم الحكومية بأنها جزء من فرض هيبة «الدولة»!
وهنا لابد من بيان أن الدولة –أي دولة- يمكنها أن تفرض هيبتها على الجماهير بجملة من الأمور، منها:-
1- أن يكون قادة هذه الدولة من الوطنيين الذين يحملون هموم المواطنين بصدق وإخلاص، وليس من الغرباء الذين لا ينتمون للوطن إلا بالهوية!
2- مطابقة أقوال الساسة أفعالهم، وهذا من أهم الأسباب التي تبث الثقة بين المسؤولين والشعب، والانجازات الواضحة على أرض الواقع هي التي تحكم على صدق المسؤولين وكذبهم!
3- سيادة القانون في جميع مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وتطبيقه على جميع المواطنين من دون محاباة لأي متجاوز على القانون كائناً من يكون.
4- نشر روح المحبة والتسامح، وأن لا يكون السياسيون أعداءً للشعب، ونشر الأمن والأمان ومكافحة الفقر والبطالة، والاهتمام بالقطاعات الصحية والخدمية وغيرها من القطاعات الحيوية لاستمرار الحياة.
الواقع العراقي الحالي يؤكد أن حكومة المالكي قد انتهكت كافة الشرائع والقوانين، ولم تقدم شيئاً على الأرض رغم الامكانيات المالية والبشرية الهائلة، فكيف تبقى هيبة للدولة، والمواطن لا يعرف بمن يحتمي: أبالدولة التي تعمل ضده، أم بالتمرد عليها لتحصيل حقوقه الإنسانية المغتصبة، ولتخليص نفسه –وأهله- من الاعدامات خارج نطاق القانون والاعتقالات غير القانونية؟! لأنه بكل الأحوال ميت بين الأحياء!
وحقيقة الأمر أن التجارب الإنسانية أثبتت للجميع أن هيبة الدولة تفرض بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والإجحاف!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى