العراق على مفترق طرق!





لمؤامرة على الأمتين العربية والإسلامية مستمرة منذ مئات السنين وحتى الساعة، وكل هذه المؤامرات تهدف لضرب الأمة في صميم وجودها، ومن ذلك وحدتها ومبادؤها وقيمها، وهذه المؤامرات نلمسها في كل ساعة عبر ما نشاهده في الصراعات السياسية الجارية في عموم أقطار الأمتين العربية والإسلامية.

والعراق واحد من الدول التي تعرضت لهذه المؤامرات منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الساعة، وآخر المخططات التي حيكت ضد العراق والأمة هو مخطط المؤرخ الصهيوني المستشرق، البريطاني الأصل، الأمريكي الجنسية، (برنارد لويس)، وهو صاحب أخطر مشروع في هذه المرحلة الحرجة؛ لتفتيت العالمين العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب، وهذا المشروع ليس سرًا، وإنما نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية، وأيضًا نشر في العديد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والمنتديات، إلا أننا -مع الأسف الشديد- لم نقف على خطورته التي صرنا نلمسها هذه الأيام في المنطقة، وخصوصًا بالخليج العربي، والعراق وبقية الدول غير المستقرة الآن بالمنطقة.

بداية هذا المشروع جاءت في عام 1980، حيث برزت تصريحات خطيرة من بعض المسؤولين الأمريكيين بخصوص منطقة الخليج، ومنها تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي"، الذي أكد فيه: "أن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن (1980م)، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى، التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود "سايكس- بيكو"؟!

وعقب هذا التصريح الخطير، كلفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" المؤرخ الصهيوني "برنارد لويس" بوضع مشروعه التخريبي الهادف لتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا، كل دولة على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الأفريقي... الخ، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق (لويس)، بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه، والتي تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"، وهذا المشروع التخريبي وافق عليه الكونجرس بالإجماع في عام 1983، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة.

ومما تضمنه المشروع خريطة شبه الجزيرة العربية والخليج، ويهدف المشروع لإلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة، ومحو وجودها الدستوري، بحيث تتضمن شبه الجزيرة والخليج ثلاث دويلات فقط، وذلك على النحو الآتي:

1-      دويلة الإحساء الشيعية: "وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين".
2-      دويلة نجد السنية.
3-      دويلة الحجاز السنية.

وبخصوص العراق فان المشروع يهدف لتفكيك بلاد الرافدين على أسس عرقية ودينية ومذهبية.

وبالعودة إلى موضوع المقال، العراق على مفترق طرق، نجد أن العراق، ومنذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، وحتى الآن، يعاني من أوضاع سيئة خُطط لها بإتقان، وهي سياسات ليست عبثية، بل؛ هي سياسات موضوعة بدقة ودهاء، وكانت حصيلتها هذا الشلال المستمر من الدماء، وملايين القتلى والمعاقين والمهجرين في الداخل والخارج، وغيرها من صور الخراب الاقتصادي والاجتماعي، وإنهاء الدور العراقي الحيوي بالمنطقة.

العراق يقف اليوم على سبيل مليئة بالألغام التي زرعها المحتل الأمريكي، ليرحل بعدها رسميًا نهاية عام 2011، وليسلم العراق على طبق من ذهب لإيران التي عرفت بمواقفها المعادية للعروبة والإسلام.

واليوم كافة الاحتمالات قائمة بخصوص المستقبل العراقي، ولا يمكن التنبؤ بسهولة إلى أين يسير هذا البلد العريق؟!

هذه البلاد مقبلة على أربعة خيارات لا خامس لها، من وجهة نظري، ومن خلال قراءتي للمشهد الحالي وهي:

1)      الحرب الأهلية:

حيث إن هذا الاحتمال قائم اليوم عقب الهجوم الإجرامي الذي ارتكبته قوات حكومة المنطقة الخضراء الإجرامية بحق المعتصمين بمدينة الحويجة الشمالية، يوم 23/4/2013، وراح ضحيته أكثر من (250)، شخصًا بين شهيد وجريح.

وهذا الخيار تقوده حكومة المالكي، وهي من تريد جر البلاد لهذه الحرب الدموية؛ لأنها، ومنذ تشكيلها، همشت نصف الشعب العراقي، واعتبرتهم أقليات، وربما هم مواطنون من الدرجة الثانية، وإن لم يصرحوا بذلك.

وحقيقة القول؛ إنني استبعد هذا الخيار؛ لأنه ليس من موروث الثقافية العراقية هذه الروح التصادمية بين مكوناته، وإن كان بعض الساسة يحاولون التركيز عليه!

وهنالك في العراق اليوم طائفية سياسية وليست طائفية اجتماعية، وهذه الحقيقية يعرفها كل متابع للشأن العراقي اليوم.

2)      التقسيم:

وهذا الخيار هو جزء من المخطط الذي تهدف اليه الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق، والمنطقة، وهذا هو مخطط المؤرخ اليهودي (برنارد لويس)، والذي سبق ذكره ببداية هذا المقال.

والواقع أن العراق اليوم، فيه "إقليم" شبه مستقل، في شمالي البلاد، وهو، كما أسميته في أكثر من مقال، دولة داخل دولة، وهذا الاقليم اتفق على تشكيله القادة الكرد، مع الأمريكان قبل الاحتلال ومع شركائهم، من غالبية ساسة العملية السياسية الجارية بالعراق اليوم، وعليه فإن هذا الأمر، أي تشكيل الأقاليم، هم متفقون عليه، وإن لم يعلنوها صراحة.

3)      الخنوع، والرضا بالواقع المؤلم الطائفي المتبع من حكومة المالكي:

وهذا يعني أن القوى الوطنية بالعراق عليها السكوت والرضا بالذل والهوان والاعتقالات اليومية والإعدامات خارج نطاق القانون والتهجير، وغيرها من صور الإرهاب التي ترتكبها أجهزة المالكي القمعية، وإلا فإنها ستواجه مصيرًا مظلمًا لا يمكن تحديده بدقة؛ لأنه يتضمن كافة صور الظلم والاضطهاد، وعليه فإن هذه الجموع إما أن ترضى بالإقليم، أو الخنوع.

وهذا مما لا يرضاه العراقيون، بكل حال من الأحوال، وهم الذين وقفوا بوجه المحتل الأمريكي على الرغم من التباين الشاسع بينهما في العدد والعدة، ورغم ذلك فإنهم أجبروا القوة الأولى في العالم، على الهروب والخروج الرسمي من البلاد نهاية عام 2011.

4)      خيار المقاومة الوطنية الحكيمة البعيدة عن روح الانتقام:

والتي تطهر البلاد من الخونة والعملاء، ومن دعاة الحرب الأهلية، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن يكون الحل بالقتل، أبدًا، وإنما يكون بالتحييد، وبوضع النقاط على الحروف، والدفاع عن النفس، والوقوف بوجه الظلمة، وعدم الاستخفاف بالدم العراقي، سواء أكان شيعيًا أم سنيًا أم كرديًا أم مسيحيًا أم يزيديًا، وتقديم القتلة والمجرمين وغيرهم إلى محاكم عادلة، هي التي تتولى إنزال العقوبات الملائمة بحقهم، وعدم فسح المجال للثأر والغوغاء للعبث بأرواح الناس والقتل على الظنون، وحينها سيكون دور المقاومة بتسليم البلاد لحكومة مؤقتة تجري على أثرها انتخابات حرة وبإشراف دولي، ومن ثم تشكيل برلمان منتخب، وتشكيل حكومة منتخبة من البرلمان، تتعهد، سلفًا، بإعادة كتابة الدستور، والعمل ضمن الشرائع والأعراف والقيم السماوية والأرضية المليئة بالعدل والمساواة.

وهنا لا بد من التأكيد على أن الشعب العراقي سيرضى بكل من ستفرزه صناديق الاقتراع بغض النظر عن دينه، أو مذهبه؛ لأن العراقيين جميعًا متفقون على أن الطائفية في البلاد اليوم هي سياسية، وليست اجتماعية وحينها، يمكن أن ننقذ العراق من خطر التشظي والتقسيم والحرب الأهلية.

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى