ساسة العراق والخجل



الخجل نعمة من نعم الله، سبحانه وتعالى، على الإنسان؛ لأنه من غير هذه النعمة يتحول الإنسان إلى وحش كاسر لا يهمه إلا منفعته الشخصية، والخجل هو المنظم لتصرفات الإنسان في أغلب مواقف الحياة؛ لأنه، وفي حال انعدام الخجل، فإننا نجد الوَقاحَةٌ، والصَفاقَةٌ، والتَهَتُّكٌ، والفِسْقٌ، والفُجُورٌ، والعُهْرٌ، هي المسيطرة على المواقف التي يفترض بها أن تكون "إنسانية"!

والخَجَل هو الاحْتِشَام، والحَيَاء، والخَفَر، والحِشْمَة، والاِسْتِحْياء.

والخجل ربما يظنه بعض الناس أنه لا يكون إلا في المواقف الإنسانية البحتة، ولا يدخل في مجالات الحياة المختلفة، ومنها السياسة والاقتصاد، وهذا فهم لا يتفق مع المنطق الصحيح.

المشكلات السياسية والأخلاقية في عالم السياسة العراقية بعد عام 2003، جعلت العراق يعاني جملة من المشاكل والإشكاليات، ومن أهم هذه المشاكل هي كارثة غياب الحياء، أو الخجل من قاموس أغلب ساسة "العراق الجديد".

سياسيو العراق "الجديد" لا يعرفون معنى لكلمة الاعتراف بالذنب، أو الاعتذار، أو أي مصطلح يدور حول هذه المعاني، ولا هم لهم إلا إتهام بعضهم بعضًا بعد كل كارثة أمنية، أو اقتصادية،  أو حتى اجتماعية، وهذا الاسلوب يعرفه كل العراقيين في عموم البلاد.

وهذه الاتهامات المتبادلة بين السياسيين تَظهر جليًا بعد كل إخفاق أمني، أو إداري، حيث يطل علينا مسؤول حكومي، يحاول تبرير الفشل الذريع بشتى الأعذار، التي يعتقد ذات المسؤول أنها لا تجد أرضية صلبة في فكر الإنسان العراقي؛ لأن المسؤولين -قبل غيرهم- يعرفون أن المواطن العراقي لا يمكن خداعه بسهولة!

وفي إطار الفلتان الأمني المستمر بالعراق لقي العشرات مصرعهم؛ جراء سلسلة تفجيرات هزت العاصمة بغداد ومدنًا أخرى؛ وذلك يوم 20/5/2013؛ والنتيجة أكثر من (300) شخص بين شهيد وجريح، بمناطق عديدة في العاصمة بغداد والبصرة وسامراء.

رأس الهرم في العراق، وأقصد رئيس الحكومة نوري المالكي، وكالعادة ألقى الاتهامات على الأشباح التي تعبث بالأمن العراقي، وبلا أية لياقة سياسة قال المالكي بعد الحادث في مؤتمر صحفي عقده بمبنى مجلس الوزراء: "إنه يتعهد  بإعلان أسماء الشخصيات المسؤولة والمتورّطة في الأزمة الراهنة".

وهذا التعهد لم ينفذه المالكي، فلماذا يتكتم على المتورطين في سفك الدم العراقي؟! هل هذه هي الأمانة يا دولة رئيس الوزراء، أم أن السياسية في قاموسكم تبيح سفك الدماء من أجل المصالح؟!

وسقط أكثر من سبعمائة قتيل في أبريل/نيسان بالعراق طبقًا لأرقام الأمم المتحدة، وهو أكبر عدد منذ نحو خمس سنوات!

وهنا نقول لرئيس الحكومة الحالية؛ ألست أنت القائد العام للقوات المسلحة، فهل تريدنا أن نلقي اللوم على وزير التجارة، أم وزير الصحة، بسبب هذه الخروقات الأمنية اليومية في عموم البلاد؟!

الحياء السياسي هو جزء من الحياء الإنساني العام، بل أنا أظن أن السياسيين ينبغي أن يكون الحياء لديهم بدرجات أكبر من سائر الناس؛ وذلك لأنه أعمال السياسيين وتصرفاتهم -في الغالب- تعرض على عموم الشعب، وأن عموم الناس يتابعون تصرفات المسؤولين الصغيرة، فما بالك بالأخطاء الاستراتيجية التي تدمر أجيالاً، وتحرق بلدانًا، وتخرب عمرانًا!

المسؤول الذي يخجل من ربه، ومن نفسه، ومن جماهيره هو الذي يعترف، وبلا تردد، بالأخطاء المسؤول عنها، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، أما محاولة رمي التهم جزافًا على الآخرين من أجل التشبث بالسلطة، فهذا من أكبر الأسباب المسقطة للمسؤول؛ لأن الشعوب الحية ما عادت تنطلي عليها هذه الأساليب "الدكتاتورية الديمقراطية"!

الوقاحة التي تقاد بها الأمور بالعراق اليوم لم أجد لها مثيلاً إلا في البلدان الفاشية ومنها إسرائيل؛ لأن القاعدة القانونية تثبت أن المتسبب بالقتل قاتل، فكيف بمن خطط ونفذ، والنتيجة مئات القتلى في كل يوم، وبعد ساعات يطل علينا القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية بالإضافة إلى عشرات المناصب الأمنية الحساسة، وهذه كلها من نصيب رئيس الحكومة نوري المالكي؛ أقول بعد كل هذه الكوارث يطل علينا وهو يكيل الاتهامات للقاعدة والبعثيين وأزلام النظام السابق، وغيرها من الأسباب في أسطوانة مشروخة ملتها مسامع العراقيين!

وفي ذات الوقت لا يذكر ميليشا واثق البطاط، وجيش المهدي وقوات بدر، وميليشيا حزب الله العراقي، وكل هذه المليشيات الإجرامية كان لها النصيب الأكبر في سفك الدم العراقي، وقبل يومين أكد البطاط قائد جيش المختار، الذي أصدرت الحكومة بحقه مذكرة اعتقال وهمية، في تصريح لوكالات الأنباء أن جيشه متعطش لدم أولئك الذين يهددون حكومة المالكي، فأي تناقض هذا الذي يحصل في عراق المتناقضات؟!

الوقاحة والصفاقة السياسية في العراق هي المشهد الأبرز، والذي بموجبه تدار الأمور، وكأن هؤلاء الساسة يتوقعون أن هذا الأسلوب يمكن أن يمرر على العراقيين باعتباره سياسة، والواقع أن هذه الأساليب البالية ما عادت تنطلي على العراقيين الذين تخرجوا من مدرسة القهر والضيم الديمقراطي!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى