أخطاء وأخطاء



الناس في هذه الدنيا صنفان: صنف ارتضى لنفسه أن يجلس على التل ويراقب الأحداث، وهو في ذات الوقت لا يكلف نفسه حتى النزول إلى أرض الواقع، ومخالطة الناس والصبر على أذاهم، والتفاعل مع الواقع المرير في غالب الأحيان؛ لأنه آثر السلامة على العمل ومنغصاته، وهذا الصنف، في أفضل الأحوال، إن أراد أن يبدي رأياً، فإنه لا يجرؤ حتى الكشف عن اسمه، أو كنيته الحقيقية حتى في أبسط المواقف، هذا الصنف جعلوا من الصمت حكمة، ومن الهزيمة ذكاء، ومن التملق سياسة، وهم -مع الأسف الشديد-  أكثر نسبة من الصنف الثاني.
أما رجال الصنف الآخر، فقد تقبلوا أن يكونوا أعضاء فاعلين في الحياة، بكل تشعباتها، وفي أصعب مواقفها، وقدموا القيم والتضحية في سبيلها على السلامة، دون اهتمام لسخط الساخطين، أو حتى السعي لرضا الراضين، وهذا الفريق أقل حضوراً من الصنف الأول.
والعاملون بلا شك معرضون للخطأ؛ لأنهم بشر أولاً، ولأنهم يعملون تحت ظروف متقلبة وقاسية أحياناً، ومن يعمل يخطئ، ومن لا يعمل يَسْلَم، ولا يمكن أن نتصور عَالَماً خالياً من الأخطاء إلا في الخيال العلمي، ونحن نتكلم هنا عن الواقع، وتحديداً عن الواقع المرير، الذي يشوبه الكثير من الضبابية وعدم الوضوح أحياناً.
والأخطاء المحتملة الوقوع تختلف من حيث أثرها، فمنها ما هو محدود الأثر، ومنها ما هو واسع التأثير، وهي تعتمد على قدر مرتكب الخطأ، ومكانته ومسؤوليته.
فهنالك مثلاً، أخطاء السياسيين والحكام وبعض ما يسمى «قوى المعارضة»، وهذه تقود –ربما- إلى تدمير البلاد وتخريبها، واحتلالها، بل منهم من التعاون مع المحتل في سبيل دخوله للبلاد لـ»تحريرها، ونشر الديمقراطية فيها»، والتحكم بمقدراتها وخيراتها، والنتيجة ملايين القتلى والمهجرين! وكم من شاهد حي على هذه الأخطاء القاتلة التي حُرق فيها الأخضر واليابس، وأخذ البريء بجريرة المتهم!
وأغلب هذه الأخطاء ناتجة عن روح دكتاتورية، حاقدة، لا تقبل الآخر، وفي ذات الوقت، لا تعرف كيف يكون فن قيادة البلدان والشعوب، وأيضاً هي أخطاء مرتكبة من ساسة حاقدين على بلادهم، ويدعون أنهم من «الوطنيين»!
وهناك أيضاً أخطاء الأطباء، وهذه ربما تكون قاتلة أحياناً، لكنها ناتجة -في غالبها- عن اجتهادات، والمجتهد مأجور في كل الأحوال؛ لأن الأصل في عمل هؤلاء تحكيم الضمير ومصلحة المريض.
وهنالك أخطاء -ربما هي محدودة الأثر- وهي الهفوات الصادرة عن بعض العاملين في الإعلام، ومنهم بعض الصحفيين والكتاب، وهي كبوات لا يمكن التقليل من أهميتها وخطورتها، إلا أنها ممكنة الوقوع في زحمة الحياة والعمل. وحينما نريد تقييم، أو لوم فلان من الكتاب على موقف، أو معلومة، أو أي أمر يتعلق بمقاله وعمله، فلا بد أن يكون الإنصاف والضمير هما الحكم في هذا التقييم، أو العتاب إن لزم الأمر لذلك.
من حق الجميع الاعتراض على أية معلومة، ربما تكون خاطئة، أو مغلوطة، أو ربما مفبركة؛ لأن الجميع من حقهم تلقي المعلومة الصحيحة الدقيقة، وهذا الحق لا خلاف عليه، لكن المختلف فيه، هو أسلوب التقويم والتصحيح.
فمن غير المعقول أن نحكم بالإعدام على من أخطأ في موقف بسيط، وبالمقابل نحكم ببراءة من قتل الملايين، أو عشرات الالاف، أو حتى تسبب بمقتل إنسان واحد، هذا المنطق المنحرف لا يمكن تقبله؛ لأنه يتناقض مع الشرائع السماوية، وقوانين الأرض، وحتى مع الأعراف المعتبرة.
إذن الغاية أن نتكاتف ونتعاضد من أجل قضايا الأمة، وليكن شعارنا كلُ من يعمل يخطئ، وكل من يجلس على التل بعيداً عن الناس، فمن المؤكد أنه لا يخطئ، على الأقل في ظاهر الحال، ومن وجهة نظره هو فقط!
وهذا يحتم على الجميع أن يعترفوا بأخطائهم؛ لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وهذا لا يقلل لا من قيمة المسؤول، أو الطبيب، أو الكاتب، أو العامل، أو أي إنسان في أي موقع، وفي أي مكان.
وأفضل من اللوم والعتاب، وبدل لعن الظلام، نحاول أن نضيء شمعة؛ لعلها تكون مناراً لنا جميعاً للعمل من أجل غد الانسانية المشرق.
ومن ذلك قول ابن الرومي (836 - 896 م):-
دعِ اللَّومَ إن اللَّــــومَ عونُ النوائِبِ      ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعــــاتِبِ  
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخـــــفِقٍ       ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ  
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ   وليس بكَيْسٍ بيعُها بالــــرغائبِ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى