مواطنون بلا رعاية



المسؤوليات الواقعة على كاهل الدولة كثيرة ومهمة، ومنها نشر الأمن، وحمايات الممتلكات العامة والخاصة، وتطوير القطاعات الحيوية التجارية والزراعية والتكنولوجية والصحية، وحماية أرواح المواطنين عبر تأمين الأدوية الجيدة والناجعة في علاج أمراضهم.
وعلاجات الأوبئة التي انتشرت في العراق بعد عام 2003، وصلت إليه من كل حدب وصوب، وأغلبها غير خاضع للرقابة الحكومية؛ لأنها تصل إلى السوق عبر عمليات تهريب منظمة، تهدف للربح السريع على حساب صحة المواطن وسلامته، ويقف وراء عصابات التهريب بعض المسؤولين الحكوميين؛ لأنهم جعلوا من المناصب غطاءً لتحقيق مكاسبهم الشخصية حتى لو كانت على حساب تدمير صحة ملايين الناس الأبرياء!
كلنا يعرف أن السرطانات التي غزت العراق كانت نتيجة استخدام قوات الاحتلال الأمريكية، اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً، إضافة إلى إهمال المسؤولين الحكوميين لصحة المواطنين منذ أن استلموا مفاتيح المنطقة الخضراء من قوات الاحتلال الامريكية وحتى الآن.
وفي هذا الملف الذي لا نعرف مديات آثاره المخيفة، ذكر طارق فتاح مسؤول الإعلام في دائرة صحة الديوانية في يوم 12/8/2012 أن مرض السرطان تسبب بوفاة (125) شخصاً من بين أكثر من 200 حالة اصابة سُجلت خلال العامين الماضيين، وأن الأعوام الأخيرة شهدت زيادة واضحة بسرطانات الأمعاء والثدي والرحم والرئة.
وتبقى المدن التي كانت مسرحاً للحرب من أهم بؤر السرطانات في البلاد، ومن أشهر هذه المدن مدينة الفلوجة، وهذا باعتراف الأمريكان أنفسهم، ففي يوم 13/8/2012 أكد النائب في مجلس النواب خالد العلواني أن مدينة الفلوجة تعاني من انتشار الأوبئة والأمراض السرطانية، وأمراض القلب، والتشوهات الخُلقية بين سكانها، وأن مستشفى المدينة لجأ إلى أطباء أمريكيين لمعالجة أطفال يعانون من مشاكل في القلب، وأن «هؤلاء الأطباء أكدوا أن هذه الأمراض سببها استخدام جيش الاحتلال الأمريكي الأسلحة المحرمة دولياً»!
ومن أسباب زيادة الأمراض بين العراقيين بعض المواد الغذائية التي توزع ضمن البطاقة التموينية التي تعتبر المصدر الرئيس لغذاء غالبية المواطنين، ورغم ذلك فإننا ما زلنا نسمع، وفي كل يوم تقريباً بفضيحة في هذا الجانب، وآخرها ما أكده مصدر في وزارة التجارة يوم 13/8/2012، أنه» تم ايقاف توزيع مادة الحليب نوع «انكولاك» في كربلاء بعد ورود شكاوى كثيرة وحدوث حالات تسمم كثيرة، وأن أمر الإيقاف جاء بعد توزيع (4968) طناً من هذه المادة ضمن مفردات البطاقة التموينية، وأن كمية الشحنة كاملة هي خمسة آلاف طن، وتم توزيعها على عموم مراكز تموين المحافظة، وغير الموزع منها أقل من (32) طن فقط، وأن الفحوصات السيطرة النوعية أثبتت عدم مطابقتها للمواصفات وعدم صلاحية استهلاكه»!
المؤامرات التي حيكت ضد العراقيين مستمرة، فهي لم تتوقف عند الاحتلال وتبعاته الشاخصة حتى الساعة، ولم يَكْف هؤلاء القتلة ما تسببوا به من قوافل مليونية من الشهداء والمعاقين والمرضى، ولم يشف غليلهم ما اقترفته أيديهم بحق ابناء الرافدين من عمليات اذلال منظمة عبر الاعتقالات العشوائية الكيدية، بل دفعتهم نفوسهم المريضة للتلاعب بقوت المواطن الفقير!
الحكومات التي لا تهتم بمواطنيها فمن الأولى بها -إن كانت تحترم نفسها- أن تنسحب من المشهد السياسي؛ لأن المسؤولية ليست تشريفاً، وإنما هي تكليف يراد منه خدمة الوطن والمواطن. لكننا نتحدث عن الحالة المثالية، وهذا الكلام عن الانسحاب والاستقالة لا وجود له في قاموس ساسة المنطقة الخضراء، المهم عندهم أنهم متربعون على حكم المنطقة الخضراء، وكل من يرفع رأسه من المعارضين مصيره إما التغييب، أو الاعتقال!
والعراقيون رغم كل هذه الهموم الثقيلة ما زالوا -حتى الساعة- يتحلون بالصبر الجميل؛ لأنهم مؤمنون أن الحياة هي قافلة تَحَد لا يمكن أن ننتصر فيها بدون قبول هذا التحدي، والصبر على مآسيه.
ومن أروع ما قرأت عن صبر العراقيين قول الشاعر الدكتور وليد الصرّاف:
لبغداد جاء الصبرُ يؤنسُ أهلها
فلُقِّنَ في بغداد درساً من الصبرِ

نعم، لقد لقن العراقيون الصبر درساً قاسياً في بغداد الصمود والتحدي.
وكل عام والعراق والعراقيون الصابرون بكل خير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!