العراق الذي تركته أمريكا وراءها



سنتفق جدلاً على أن أمريكا قد انسحبت من العراق، وسنغض الطرف عن الواقع الذي يؤكد أن أمريكا ما زالت هي التي تسيطر على مجريات الأحداث في البلاد، ويشاركها في ذلك إيران عبر نفوذ سفيرها في بغداد، ووكلائهما في المنطقة الخضراء. هذه هي حقيقة الحال في «العراق الجديد». ولكن المهم أن نعرف كيف تَركت أمريكا العراق، ولمن سلمته؟!
العراق منذ سنوات الاحتلال البغيض وحتى اليوم، يعيش في دوامة من الانفجارات التي لم تهدأ في يوم من الأيام، وآخرها التفجيرات التي شهدتها بغداد والعديد من المحافظات مؤخراً، وخصوصاً في الأسبوع الأخير من شهر تموز 2012، التي أكدت مدى الخراب الذي ينخر جسد «الدولة العراقية» في كافة الجوانب الأمنية والاستخبارية. حيث إن البلاد، وبعد كل خلاف سياسي، يمكن احراقها من أقصاها إلى أقصاها، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية التي يصل قوامها إلى أكثر من مليون ونصف منتسب، من تحريك ساكن، ولا حتى إيقاف متحرك!
من المؤكد أن شهادة أهل مكة أولى من شهادة الغرباء، إلا أن الشهادات الغربية أصبحت اليوم –مع الأسف الشديد- أحرى وأولى من شهادات أهل الدار، وهذا في الحقيقة خرم لقواعد الشهادة، لكن هذا هو الواقع، وتماشياً مع هذا الحال، سنحاول نقل شهادة غربية بخصوص الواقع في العراق.
الشهادة هي عبارة عن تقرير نشرته صحيفة: الشؤون الخارجية الأمريكية «foreign affairs» التي تعد من كبريات الصحف الأمريكية المُتابَعة من النخب في داخل وخارج أمريكا. الصحيفة أعطت للتقرير عنواناً متميزاً وهو: «العراق الذي تركناه وراءنا»، ونشر في عدد شهر نيسان/ أبريل 2012، وهو تقرير مفصل عن الأوضاع في العراق بعد الانسحاب الأمريكي بقلم الكاتب نيد باركر الذي عمل مراسلاً لصحيفة لوس انجلوس في بغداد، ورسم صورة مأساوية لحقيقة الواقع العراقي، في ظل النظام المتسلط على رقاب العراقيين، والقابع في المنطقة الخضراء.
الكاتب الأمريكي تحدث بدقة عن الأوضاع الحالية في بلاد الرافدين اليوم، حيث أكد أن العراق اليوم أصبح «بلداً أقرب ما يكون إلى دولة فاشلة، فرئيس الحكومة الدكتاتور نوري المالكي يترأس نظاماً يسوده الفساد والوحشية، ويستخدم فيه القادة السياسيون قوات الأمن والميليشيات لقمع الأعداء، وتخويف عموم الناس. كما يُستخدم القانون كوسيلة ضد الخصوم، ولإخفاء مساوئ الحلفاء. ولقد تلاشى الحُلم بعراق يحكمه قادة منتخبون، يُساءَلون أمام الناس. وأن الحكومة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، ومياه الشرب النظيفة، والرعاية الصحية اللائقة للمواطن، وأن نسبة البطالة بين صفوف الشباب من الرجال تقترب من 30%».
وبحسب رأي (باركر) فان رئيس حكومة المنطقة الخضراء قام «بإضعاف الضمانات الديمقراطية، واستخدامه أجهزة مكافحة الفساد في استهداف أعدائه السياسيين، فضلاً عن حكمه الاستبدادي وأسلوب المحاباة، الأمر الذي قد يفضي إلى نهاية سلطته، ودفع العراق إلى حرب أهلية أخرى»، وأن المالكي يستخدم «سجوناً سرية تحت إشراف نخبة من رجاله الأمنيين، وهناك أدلة قاطعة لدى الصليب الأحمر حول هذه السجون، وتشير تقارير الصليب الأحمر إلى وجود ثلاثة سجون سرية في المنطقة الخضراء مرتبطة بمكتب المالكي، يُمارس فيها التعذيب، وأن بعض جلسات التعذيب تمت بحضور قضاة عراقيين»!
هذه الشهادة الغربية، يمكن تأكيدها بشهادة من بعض المشاركين باللعبة السياسية الدائرة في العراق، ففي يوم 9/6/2012 انتقد رئيس القائمة اياد علاوي في تصريح صحفي «اتهام رئيس الوزراء نوري المالكي بعض القوى السياسية بتزوير التواقيع الخاصة بسحب الثقة من رئيس الحكومة، معتبراً أن هذا الاتهام اهانة لجميع النواب، وأن جمع التواقيع تم بِناء على رغبة رئيس الجمهورية جلال طالباني، ليتأكد من وجود نصاب قانوني لسحب الثقة».
ما ذُكر هنا هو غيض من فيض، من الأوضاع المزرية في العراق الحالي، وكما يقال: وما خفي كان أعظم! هذا هو العراق الذي يقال إن أمريكا تركته وراءها، لكن الحقيقة أن أمريكا وحلفاءها من الشرق والغرب لم يتركوا العراق، بل ما زالت هذه البلاد الأرض الخصبة للمساومات على العديد من الملفات الساخنة في المنطقة!
والخاسر الوحيد في كل هذه الصفقات هو المواطن العراقي المظلوم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى