هل "سنة" العراق بحاجة إلى فيدرالية؟






التحديات التي تواجه العراق بعد عام 2003، هي تحديات مصيرية وخطيرة بعضها من الداخل وبعضها الآخر من الخارج، والغايات الدافعة لتخريب هذا البلد مختلفة المشارب، فمنها غايات شخصية وحزبية وتوسعية، وهي في غالبها أوهام وطموحات وأحلام شريرة، يُراد تنفيذها على حساب مصلحة وحرية وكرامة الشعب، ولو بمسميات ظاهرها الرحمة والحرية واستغلال الثروات وتوفير فرص العمل، وباطنها الدمار والخراب والتشتت والضياع والتغريب في داخل الوطن.
والعراقيون يتغنون بوحدتهم منذ مئات السنين، وهم متعايشون بحب وإخاء على عكس ما تحاول بعض وسائل الإعلام المدسوسة المأجورة، وبعض الساسة تصويرها بوجود نفس طائفي بينهم، وأحقاد، بل وفي بعض الأحيان ثارات وأحقاد لا يمكن أن تخمد بسهولة.
والواقع أن ما يجري اليوم على الساحة العراقية هي حرب سياسية طائفية يقودها اغلب رجال العملية السياسية في عموم البلاد وليس في بغداد وحدها، بينما الشعب العراقي ناقم، بل ومعارض في غالبه لهذه التوجهات التخريبية التقسيمية.
وفي هذا الملف الخطير التخريبي، كثر الحديث وبقوة هذه الأيام عن مشروع، لطالما وقف العراقيون ضده، ونحن نسمع به حتى قبل دخول القوات الأمريكية المحتلة إلى العراق،إلا وهو موضوع ما يسمى الفيدرالية، ومظهره الأخير هو الدعوة إلى إقليم في المناطق السنية، أو الغربية من العراق.
وسبق لهذا الموضوع أن أثير في العديد من المناطق الأخرى، ولا سيما في البصرة الفيحاء، وكان وراء هذا الدفع القاضي وائل عبد اللطيف، وقد وجد مشروعه رفضاً شعبياً واضحاً في المحافظة، ولا زال الرجل حتى الساعة يشد الأحزمة من اجل إحياء هذا المشروع التخريبي، وذلك بدفع من طرف خارجي استغل الحالة الشاذة في العراق بعد عام 2003، وهذا معلوم كل العلم حتى لأطفال العراق.
الداعمون لهذا المشروع هم إما مدفوع لهم الثمن، أو من الذين زُينت لهم صورة مستقبلهم مع تكوين الإقليم، والحق إنني اضطررت لضرورة يقتضيها المقال أن أُسمي جزءً من الشعب العراقي باسم "السنة"، وإلا فإني بعيد عن كل ما يقرب من الطائفية في كتاباتي، وهذا ما يعرفه القارئ الكريم.
الفيدرالية كنظام هي جزء من التنظيمات الإدارية المعمول بها في العالم، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي تعني تجميع المفصل والمجزأ في إطار واحد لمصالح تقتضي ذلك؛ بخلاف الحالة العراقية التي يراد للفيدرالية فيها أن تقوم بالعكس تماماً، ودورها تشتيت الموحد، وهذا ما أثبتته التجربة الكردية، حيث إن النموذج المراد تطبيقه يسعي إلى خلق كانتونات طائفية أو عنصرية في عدد من مناطق العراق، ولعل ما يقوم به الساسة الكرد اليوم؛ هو الدليل القاطع على ذلك؛ فهم الآن أشبه بـ"دولة" داخل دولة، بل لا توجد سيطرة واضحة للحكومة المركزية على أية آلية إدارية، أو تنظيمية تجري داخل "الإقليم"، وتعمل الحكومة الكردية على افتتاح قنصليات لإقليمها في بقاع العالم داخل أو خارج السفارات العراقية، وهي تتصرف بسياسات داخلية وخارجية تتناغم مع مصلحة الحزبين الحاكمين، وليس مع مصلحة العراق، ولا حتى مع مصلحة أهلنا الكرد.
والإقليم الكردي المسلوب من العراق فيه وزارات خارجية وداخلية، بالإضافة إلى بقية الوزارات الخدمية والإدارية والسيادية، فضلاً عن جيش شبه نظامي.
وقد استفاد الساسة الأكراد من تجربة انفصال طويلة نسبياً، على الرغم من الخلافات القاسية بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، حيث إنهم انفصلوا عن الحكومة السابقة منذ تسعينيات القرن الماضي، و(إقليمهم) يمثل ثلاث محافظات هي (اربيل، دهوك، والسليمانية)، وهذه المحافظات الثلاث تأخذ 17% من ميزانية العراق الحالي، وهذا الرقم لا يتناسب مع أعداد السكان في هذه المدن من أهلنا الأكراد. وهذا الأمر يعرفه الجميع إلا أن أغلب الساسة يلوذون بالصمت التام حفاظاً على مكاسبهم الشخصية من الحالة الشاذة الجارية في بلاد الرافدين؟؟؟
بعيداً عن مسألة تقسيم العراق فإن ما يسمى (إقليم الانبار، أو إقليم المنطقة الغربية)؛ سيواجه في حالة حصوله بجملة من التحديات الكبيرة، حيث إن المسؤولين فيه لا يمكنهم الحصول ولو على 3% من ميزانية العراق، بل ولا حتى 2% من الميزانية، فهل فكرة قيام الإقليم هي مجرد كلام إعلامي، أم هي تنظيم يراد له إيرادات كبيرة، وتطبيق على أرض الواقع؟؟!
وهل ستترك حكومة المالكي، أو غيرها من الحكومات غير الوطنية إقليم الغربية يتصرف، باستقلالية كما هو الحال في منطقة كردستان، وهل ستتوقف حكومة المالكي الطائفية عن الاعتقالات العشوائية والمقصودة بحجة ملاحقة الإرهاب والإرهابيين؟!!.
أيضاً لا ننسى مسألة زعامة الإقليم، وهي من الملفات الخطيرة التي ربما ستقود إلى اقتتال أهلي في المنطقة الغربية، تماماً مثل ما حصل – ويحصل - في كردستان، حيث إن المنطقة الغربية تشهد خلافات سياسية وتنافسية بين الاطراف التي نشأت بسبب الفلتان الأمني المقصود الذي سببه الاحتلال بعد هزيمته في معركتي الفلوجة الأولى والثانية، وعليه لا يمكن أن يُنهى هذا الملف بالسهولة التي يتصورها البعض.
على العموم أعذار الداعين للإقليم - وان كان يبدو في ظاهر بعضها القليل من المنطق، ومنها الحد من الاعتقالات العشوائية والمقصودة، وتدارك الإهمال الحكومي المتعمد للجوانب الخدمية والتطويرية في العديد من المناطق، بحجة عدم توفر الأمن والأمان.
أقول: على الرغم من هذه الأعذار إلا انه لا يمكن جعلها كمسوغ لتمزيق الوحدة العراقية، والأولى العمل على إنهاء حالات الظلم الحكومي.. إلخ، فضلا عن انه ليست هنالك ضمانات حقيقية ملموسة لتحقيق هذا المنطق "الحلم"، المفترض على ارض الواقع.
وأخيرا الشعب العراقي مطالب بالتحدي والصمود والوقوف بوجه أعداء الحرية والخير للعراق وأهله، دعاة التخريب والتقسيم بحجة مصلحة أهل "السنة".
لنتفق على أن وحدة العراق هي الهدف الأهم، والعمل على إنهاء حالات الظلم والتعسف والتعدي والاعتقالات العشوائية هي الهدف الموازي لوحدة العراق؛ لأننا بدون مواطن يشعر انه محترم، وله مكانة في بلاده لا يمكن أن نبني بلادنا التي تحتاج منا على الأقل كلمة توحيدية، ولا أقول فعلاً جامعاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى