بيئة العراق.. معادن خطيرة وبكتيريا قاتلة






البيئة ببساطة هي كل ما يحيط بالإنسان من مخلوقات وجمادات في الكون، وهي تعني بالمفهوم الدقيق كيفية تعايش الإنسان مع ما يحيط به دون الإضرار بها، وفي ذات الوقت يتمكن من تسخيرها لنفسه، وهذه المعادلة هي في الحقيقة معادلة صعبة؛ لأن الحياة الصناعية اليوم فعلت فعلها الكبير بأغلب ما يحيط بالإنسان، ولحقت أضراراً بالبيئة من خلال النفايات السامة وغير السامة التي تطرح سواء على الأرض، أم في بطنها، أو في البحار.
فهي إذاً (أي البيئة)، وكما يقول المختصون، الإطار الحياتي الذي يعيش فيه الإنسان، ويحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية، وكائنات تنبض بالحياة، وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية ومغناطيسية.. الخ، ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر.
وكلما تذكر البيئة يذكر مقابلها التلوث، تماماً مثل ما يقابَل ذكر الحياة بذكر الموت، وذكر النهار بذكر الليل، والعراق بعد عام 2003، وقع تحت تأثيرات خارجية وداخلية مدمرة، خربت الأنفس والحياة والبيئة، والبيئة العراقية مهملة منذ عقود من الزمن، وزاد الإهمال بشكل كبير وواضح بعد الاحتلال الأمريكي ووصل إلى مديات مخيفة وكارثية، وفي هذا الملف الخطير صدر تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية لفريق من الباحثين الأميركيين في مركز دراسات الحرب في نيوبورت بالولايات المتحدة، ونَشرت مقتطفات منه صحيفة "يو إس إي تو داي"، يوم 7/ 8/ 2011، التقرير أكد أن الغبار في العراق يحتوي على (37) نوعا من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، فضلا عن (147) نوعا مختلفا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.
المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية مصطفى مجيد، اكتفى بالقول إنه "لم يستبعد وجود الملوثات التي أشار إليها تقرير الخبراء الأميريكان"!!!
وسبق لوزيرة البيئة في حكومة المالكي السابقة (نرمين عثمان) أن أكدت بأن البيئة العراقية تعاني من مشاكل كثيرة ومتراكمة لعدم وجود سياسة بيئية واضحة، وأن العراق يعاني من تلوث الهواء والماء، إضافة إلى التربة، فيما ذكر وكيل الوزارة كمال لطيف أن المياه والهواء في العراق ملوثان بشكل كبير، وأن نسبة التلوث في المياه تصل إلى ما يقرب من 80 في المئة، والهواء إلى ما يقرب من 20 في المئة.
وحينما حاولت الاستعانة بالموقع الرسمي لوزارة البيئة؛ لمعرفة نشاطات الوزارة، وحاولت فتح صفحة الواقع البيئي تفاجأت أن الوزارة لم تكتب تقريرها عن الواقع البيئي في العراق منذ عام 2008، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة كبيرة، ويثير مئات التساؤلات، ومنها أين دور هذه الوزارة التي تُصرف لها مبالغ طائلة من الميزانية الحكومية، والى متى ستبقى صحة الفرد العراقي من القضايا المنسية في أجندة الحكومات المتعاقبة على حكم المنطقة الخضراء!!!
مراجعة التشريعات المتعلقة بالبيئة يظهر أن الحكومة العراقية السابقة في مرحلة ما قبل الاحتلال، أصدرت في عام 1980، قانون الوقاية من الإشعاع رقم (99) سنة 1980، فيما لم تشرع الحكومة الحالية أي قانون يتعلق بالإشعاع على الرغم من استخدام قوات الاحتلال الأمريكي اليورانيوم المنضب في الفلوجة وغيرها من المعارك، والذي تسبب بانتشار الأمراض السرطانية وخصوصاً لدى الأجنة والمواليد الجدد، وكذلك نجد نظام الحفاظ على الموارد المائية رقم (2) لسنة 2001، فيما اكتفت الحكومة الحالية بإصدار قانون وزارة البيئة رقم (37) لسنة 2008، وقانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009!!!
أما الحلول لهذه الكوارث البيئية فتكمن في تفعيل دور وزارة البيئة من اجل القيام بدورها الإرشادي والعملي في تقليل حجم التلوث، والاستعانة بالشركات الأجنبية المختصة لتقليل الأثر القاتل للإشعاعات المنتشرة في اغلب المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية بين قوات الاحتلال والجيش العراقي السابق ورجال المقاومة.
مسألة البيئة هي قضية حياة وصحة شعب يعاني من الإهمال الحكومي الواضح على كافة الصعد، وتحديداً في الجوانب الخدمية والصحية، وحقائق الإهمال الحكومي تثبت فشل حكومات المنطقة الخضراء في إدارة شؤون البلاد الغارقة في مشاكل خانقة تعود أسبابها للنهب وانعدام المهنية والإخلاص عند أغلبية الوزراء، ما جعل الشعب العراقي المبتلى يدفع فاتورة هذه المهازل من حياته وصحته!!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!