يا ساسة العالم استفيدوا من التجربة العراقية

من المخجل أن يظن البعض أن السياسة تعني الكذب وفن تزييف الحقائق؛ لأن الإنسان –أي إنسان– يحترم نفسه يعرف أن كلامه هو معيار شخصيته، وينبغي عليه أن يحسبه بدقة قبل التفوه به.
ولكل إنسان الحق المكفول قانونا وشرعا للتعبير عن رأيه، لكن الإنسان إذا لم يجد قانوناً يردعه ويوقفه عن تزوير التاريخ، أو الالتفاف على الحقيقة عليه –إن كان يحترم نفسه- أن يخجل من نفسه قبل أن يتكلم من اجل تغيير الحقائق المعروفة للجميع.
كل من على وجه المعمورة حينما تسأله منْ الذي اسقط حكومة العراق قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003؟ سيقول -وبلا تردد– أمريكا، ومن معها من القوات الأجنبية، وهذا الكلام لا يختلف عليه اثنان.
وعلى النقيض من هذه الحقيقة سمعنا رئيس الحكومة "الناقصة" في العراق نوري المالكي في مقابلة مع فضائية العراقية الحكومية يوم 30/ 1/ 2011، وهو يتحدث عما يجري في المنطقة (مصر وتونس) حيث قال إن ما يحصل في المنطقة يكشف عن إرادة الشعوب، وهو حق مكفول للجماهير، مطالباً "أنظمة المنطقة إلى إعطاء المواطن فسحة للتعبير عن رأيه من خلال العملية الديمقراطية والانتخابات".
وفي ذات اليوم اعتبر النائب عن التحالف الوطني خالد الاسدي، أن التغيير الذي جرى في العراق، وما حصل فيه من حياة ديمقراطية، ومشاركة سياسية واسعة كان حافزا لكثير من الدول العربية لأن تحصل على مساحات "قريبة" مما حصل عليه العراق.
فعن أية فسحة للتعبير يتكلم هؤلاء الساسة؟ والتاريخ العراقي بعد عام 2003، مليء بالأحداث الدموية المؤلمة، وأغلب ساسة العراق اليوم هم جزء من هذه الأحداث، بل هم الركن الركين منها، حيث إنهم شجعوا أمريكا وحلفاءها على دخول العراق واحتلاله بحجج واهية أثبتت الأيام بطلانها وكذبها، ومنها امتلاكه لأسلحة دمار شامل.
وأما فسحة التعبير في العراق "الديمقراطي الجديد" فهي مطبقة عبر سياسة الاغتيالات المنظمة، والاعتقالات العشوائية التي طالت كل من وقف ضد السياسات الظالمة لحكومات الاحتلال، والنتيجة مئات الآلاف من المغدورين، ومثلهم من الأبرياء المعتقلين، ومنهم من يقبع حتى الآن في غياهب السجون من غير توجيه تهمة محددة له؟!!
فأين التجربة العراقية التي يفاخر بها ساسة المنطقة الخضراء؟!! نعم تجربة عراق ما بعد 2003 مثال يقتدى بها في الظلم والتدمير والخيانة للمبادئ والقيم الدينية والإنسانية والعشائرية، وإلا كيف يمكن تفسير وقوف رجال ما يسمى المعارضة مع المحتل ضد أبناء جلدتهم؟ هل كل ذلك من اجل جلب الديمقراطية للعراق، وليتهم فعلوا فهم أول من انقلب على هذه الديمقراطية الزائفة في الانتخابات الأخيرة؟!!
المالكي اتخذ من القانون والدستور سلاحا فتاكاً لتكميم أفواه كل من يقف ضد مشاريعه الطائفية في العراق، ويرتكز دائما على المادة (4) من قانون ما يسمى مكافحة الإرهاب سنة 2005، على أن من الأعمال التي تعد "إرهابية" هو العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية، أو حرب أهلية، أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين، أو حملهم على تسليح بعضهم لبعض وبالتحريض، أو التمويل، وتم إدخال الصحفيين الذين يعبرون عن رأيهم في هذه المادة، وبذلك فهم عرضة للاعتقال إذا لم يكونوا ضمن سياسة الحكومة الداعية للارتماء في أحضان المحتل؟!!
وسأذكرهم بجملة من الحقائق الساطعة التي لا ينكرها إلا الأموات قبل عام 2003، وذلك لان المقارنة بين العراق وتونس ومصر هي مقارنة سقيمة؛ لأن الثورة التونسية اشتعلت من الشارع الداخلي ولم تتدخل قوات أجنبية "صديقة" في عملية التغيير، ولا حتى في إشعال الثورة، وحقق التونسيون اغلب مطالبهم، وكذلك الحال في مصر العروبة.
الحالة العراقية هي حالة مختلفة تماماً؛ لان التغيير المزعوم -الذي صار مثالا يقتدى به كما يظن المالكي- قاد إلى احتلال غاشم، ما زال جاثماً على صدورنا حتى الآن، وهو المحرك الحقيقي للسياسة في العراق.
الثورات الوطنية سواء الأوربية، ومنها الثورة الفرنسية، أو العربية، ومنها الثورة الجزائرية والعراقية المتمثلة بثورة العشرين وغيرها، كانت خطوة للتغيير نحو الأحسن، وليست انتكاسة نحو الاحتلال والعبودية كما هو الحال في العراق "الديمقراطي" اليوم.
وأُذكر هنا أن الثورة القادمة ستكون في بغداد؛ لأن الشعب العراقي لن يرضى بالذل والهوان، والعراقيون الذين قارعوا أمريكا وأفشلوا مشروعها في المنطقة قادرون على طرد جيوشها وعملائها، وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.
تعليقات
إرسال تعليق