موطني قبل الاحتلال وبعده




المؤامرات التي تتعرض لها الأمة كثيرة بعدد رمال الصحراء، وبعدد قطرات الندى، وأعداؤنا يستهدفون كل ما يتعلق بالفرد العربي.

ومما استهدف ضمن عملية الاستهداف والتغريب الفكري والثقافي هو بتر وذبح علاقة الفرد العربي بحب بلده، والتضحية في سبيله، هذه المؤامرات قادت إلى تمييع روح الوطنية، والتقوقع على الحياة وكأنها هي مرادنا الأول والأخير، واستخدم الأعداء لهذه الخطة الخبيثة شتى السبل الحديثة والقديمة، ومنها المواقع الالكترونية والإغراءات المادية وغيرها، وعلى الرغم من نجاحه بشكل نسبي بهذه الخطة إلا أن الخير يبقى ينبوعا صافيا في امتنا، وخصوصا عند النخب الفكرية والثقافية. 

وحينما كتب إبراهيم طوقان كلمات قصيدته "موطني"، كانت بحق تعبيراً عن الوطن الذي يحلم به كل مواطن عربي، حيث قال:

مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي 

الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ 

فـــي رُبَــاكْ فــي رُبَـــاكْ 

والحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ 

فــي هـــواكْ فــي هـــواكْ 

هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ 

سـالِماً مُـنَـعَّـماً وَغانِـمَاً مُـكَرَّمَاً 

هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ 

تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي 

الشبابُ لنْ يكِلَّ هَمُّهُ أنْ تستَقِـلَّ أو يَبيدْ 

نَستقي منَ الـرَّدَى ولنْ نكونَ للعِــدَى 

كالعَـبـيـــــدْ كالعَـبـيـــــدْ 

لا نُريــــــدْ لا نُريــــــدْ 

ذُلَّـنَـا المُـؤَبَّـدا وعَيشَـنَا المُنَكَّـدا 

لا نُريــــــدْ بـلْ نُعيــــدْ 

مَـجـدَنا التّـليـدْ مَـجـدَنا التّليـدْ 

الحُسَامُ واليَـرَاعُ لا الكـلامُ والنزاعُ 

رَمْــــــزُنا رَمْــــــزُنا 

مَـجدُنا وعـهدُنا وواجـبٌ منَ الوَفا 

يهُــــــزُّنا يهُــــــزُّنا 

عِـــــــزُّنا عِـــــــزُّنا 

غايةٌ تُـشَــرِّفُ ورايـةٌ ترَفـرِفُ 

يا هَـــنَــاكْ فـي عُـــلاكْ 

قاهِراً عِـــداكْ قاهِـراً عِــداكْ 

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي

أما اليوم فإن موطني -العراق- الذي غدرت به قوى الشر والضلال والظلام، وخربت وعاثت في أرضه فسادا بحجج باطلة وكاذبة، بلادي تعاني اليوم من كل صور الظلم والخراب والاستهتار بكل القوانين السماوية والأرضية.

منذ ما قبل 2003، والى الساعة يعيش موطني العراق في دوامة من الدم المسفوح على أعتاب المنطقة الخضراء التي يقبع داخلها رجال يحملون هوية عراقية، أو أسماء عراقية إلا أن انتماءاتهم وأيدلوجياتهم وأفكارهم غريبة بل حاقدة على العراق.

موطني، العراق، تصدق فيه قصيدة تسربت إلى بعض مواقع الانترنت، وحتى اللحظة لا اعرف الأنامل الطيبة التي صاغتها ونظمتها، ولكنها بحق وصف دقيق لما عليه موطني اليوم، حيث يقول صاحب القصيدة لافظ فوه:

موطني موطني

الوبال والضلال والبلاء والرياء في رباك.. في رباك..

والطغاة والبغاة والدهاء لا الوفاء في حماك.. في حماك..

ها أرآك لا سواك.. خانعاً مكمماً بقادتك مسمما..

ها أراك.. ها أراك.. كبلت يداك.. تصطلي لظاك.. موطني موطني..

موطني موطني

الوفاق لن يهل نجمه

لا لن يطل من جديد.. من جديد..

كل حزب قد بدا وهمه يرضي العدا

وأن تبيد.. وأن تبيد..

لا يريد.. لا يريد..

مسرى طه الأتلدا وقبة ومسجدا..

بل يريد.. بل يريد.. عيشة العبيد.. ذلنا الأكيد.. موطني موطني..

موطني موطني

الدولار والدينار والريال والعقار همهم همهم..

فقرنا وجوعنا وذبحنا وحرقنا.. شعارهم.. ورمزهم..

حالنا وضعنا.. بائس لا يوصف.. مقزز ومقرف..

للهلاك.. للهلاك.. قادة النفاق.. ما لهم ميثاق.. موطني.. موطني

هذه هو العراق اليوم بفضل الديمقراطية الزائفة التي جاءت بها الدبابات الأمريكية؟!!.

الشعارات البراقة التي لا تنبع من ضمير الأمة وروحها لا يمكن أن تجد صداها على ارض التضحية والفداء.

هذا هو العراق اليوم، فبعد أن كان منارة للعلم والحضارة والفنون، يسرح في ربوعه اليوم المحتلون والقتلة والغرباء، شعاراتهم كاذبة، وعودهم طيف من السراب يحسبه الظمآن ماء، يقولون ما لا يفعلون، هم كالآكلة تدمر كل ما مر مرت عليه أياديهم الشديدة، هم بلاء نزل على موطني، وهمٌ مخيف، فبالخلاص منهم يتخلص موطني من الظلم والشرور، وببقائهم تزدهر صور الخراب والطغيان والسجون السرية وانتهاكات حقوق الإنسان، وكل هذا وهم يقولون إننا جئنا لننقذ العراق؟!!

الأوطان التي تقتل أبناءها هي معتقلات ومذابح كبيرة، والأوطان الحقيقية هي التي تحتضن الأبناء وتكون لهم دفئا وحنانا وخيمة، وهذا ما لم يقع في العراق الجريح اليوم؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!