كوتاهيا، عروسة الخزف، وفسيفساء السياحة التركية!



على مسافة أكثر من 300 كم من اسطنبول تقع مدينة كوتاهيا، وهي مدينة عريقة ذاع صيتها وعرفت بالمزج بين الأصالة والتطور.
بعد منتصف الليل حطت أقدامنا في تلك المدينة العريقة، ومن أولى اللحظات رأينا وفي كل ما حولنا التداخل بين الأصالة والإبداع، بين الماضي والحاضر، بين الأمس واليوم والغد، إنها مدينة التزاوج المبهر بين الماضي التليد والحاضر المميز السعيد، ومدينة الجمال الطبيعي الخلاب، والأصالة والتاريخ والكرم والإنتاج.
في الجانب الغربي من الجمهورية التركية تقع ولاية كوتاهيا، بإطلالة على نهر "بورسوك" ( Porsuk)، ويقدر عدد سكانها بحوالي 170 ألف نسمة، وتمتاز المدينة بالمحافظة على الطراز العثماني رغم مرور هذه الحقبة التاريخية،.
جولتنا في مدينة كوتاهيا كانت عبارة عن رحلة عبر التاريخ، وكانت انطلاقتنا في اليوم التالي نحو بعض مصانع السيراميك، التي تعد الأضخم في العالم والتي امتازت بإنتاج أحجام كبيرة من السيراميك وقياسات نادرة ومنها القياس الأكبر في العالم( 120* 240).
في أثناء جولتنا في المصنع شاهدتنا التقنيات التي تحول الرمال إلى لوحات فنية بأروع الأشكال، ولاحظنا الحفاوة الواضحة من قبل الجميع بالوفد الإعلامي الزائر.
ومما شد انتباهي في جولتنا في المعمل الكبير هو ذلك الاهتمام بطبقة العمال، حيث يمتاز المعمل بتوفير معدات الأمان للعاملين، وما شد انتباهي أكثر هو ذلك المطعم الكبير جداً للعمال ويقدم لهم أفضل الوجبات، مع وجود أماكن للترفيه في ذات القاعات وكأنهم يمتلكون المعمل وليسوا مجرد عمال فيه، وهذا نوع من الذكاء المهني يجعل العاملين يشعرون أنهم متميزون، وهنالك من يقدر جهودهم، وبالمحصلة ينعكس ذلك على الإنتاج نوعاً وكماً.
من الأماكن الرائعة التي شملتها جولتنا، قلعة كوتاهيا، الخلابة، التي تمتاز يعود تاريخ قلعة كوتاهيا إلى العصر البيزنطي، ورغم عدم الاهتمام الكبير بالقلعة إلا أنها ما زالت شامخة كشموخ أهالي كوتاهيا.
القلعة تتكون من ثلاثة أقسام وسبعين برجاً، وفيها أنفاق سرية كانت تستخدم في الحروب للالتفاف على العدو، والتأمين اللوجستي، وقد لاحظنا بالقرب من القلعة مستودعات، ومكاتب، ومسجد صغير. وقيل إن هذه القلعة كانت قد استخدمت كسجن في الماضي.
الرائع في الوقوف على القلعة هو تلك الإطلالة البانورامية لمدينة كوتاهيا، وقد لفت انتباهي ذلك المطعم الدوار المستقر في أعلى  نقطة على القلعة، حيث تلف الطاولات وأنت جالس بمكانك لترى المدين من كل جوانبها.
في كوتاهيا أكثر عشرات الينابيع الساخنة مثل: نبع غيديز مراد داغي، ونبع سماوي إينال، ونبع نشا، ومنتجعات يونجالي، والحمام الكبير، الذي بني في عصر السلطان علاء الدين. الجوامع العثمانية، وغيرها العشرات، وغالبيتها تستخدم لأغراض علاجية وسياحية.
والكثير من هذه الينابيع مفضلة لسياح المدينة من المصابين بآلام العظام والتهابات المفاصل والأمراض الروماتزمية والربو وحساسية الصدر والأمراض الجلدية كالجزام والصدفية والأكزيما الجلدية والشلل وعدد من الأمراض النسائية والاضطرابات العصبية وتعد السياحة العلاجية من مصادر الدخل المهمة للمدينة عبر السياحة العلاجية، التي تشتهر بها المدينة. وقد لاحنا خلال زيارتنا لأحدى المستشفيات الحكومية التي بنيت في أمكان بعض الينابيع الخدمة البيرة والمميزة والمجانية التي تقدم للمرضى بالمياه المعدنية.
ومن الأماكن المميزة التي يفترض بالزائر لكوتاهيا زيارتها هو معرض الصناعات الخزفية وقد لاحظنا انتشار الصناعات التقليدية اليدوية، وقيل أن كافة بيوت كوتاهيا تصنع الخزف والفخار في داخلها، وقد لاحظنا تميز تلك الصناعات بألوانها الزاهية مما يعكس أثر الطبيعية الخلابة على إنتاج السيراميك والفخار والخزف، وتشتهر بصناعة الفسيفساء العثمانية.
ورغم أن المدينة عرفت بالصناعات السيراميكية والخزفية إلا أنها مدينة زراعية تتميز المدينة بخريف مميز وأجواء منعشة حيث إن الزراعة المحلية تحظى بشعبية كبيرة لكثرة الهضبات الزراعية فيها، مما يعني مورداً آخر من موارد الولاية.
ومن المهم زيارة الجامع التاريخي الكبير، الذي يمتاز بنبع الماء الموجود في حرم الجامع، والمتحف المجاور له، والأحياء القديمة القريبة منه وأسواقها المليئة بالمنتجات المحلية الصنع، وهذه جميعها تأخذك إلى عالم التاريخ التركي القديم وكأنك تذهب برحلة عبر التاريخ.
ولا يمكن لزائر كوتاهيا أن يتجاهل عيون ماء السبيل المنتشرة في أرجاء المدينة وربما هي المصدر الأكبر لمياه الشرب عند أهالي المدينة.
لا يمكنني أن أتجاهل ذلك الخلق الإنساني المتواضع الذي امتاز به والي المدينة، والذي كان لبقاً ومتواضعاً وقد لاحظت تعامله المميز حتى مع حراسه الشخصيين.
فعلا عشقت المدينة ورغم قرب فراقنا لها إلا إنني اشتقت لها.

أنصح بزيارة كوتاهيا والمكوث بها أسبوعاً كاملاً على الأقل، لأنها فعلاً مدينة تستحق أن تكون فسيفساء السياحة التركية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى