ملآذات كانت آمنة!



لكل مواطن الحق في أن يمتلك منزلاً يقيه من حر الصيف وبرد الشتاء، ويكون ملاذه الآمن آخر النهار، وهذا مما لا خلاف عليه بين القوانين السماوية والوضعية.
وبموجب الدستور العراقي المادة (30) أولاً، الذي كتب خلال مرحلة الاحتلال ينبغي أن تتكفل الدولة: " للفرد وللأسرة الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمّن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم"، وخلافاً للدستور يبدو أن العراقيين صاروا أمام كفالة حكومية من نوع آخر، حيث تعاني نسبة ليست قليلة من المواطنين من فقدان السكن الملائم، نتيجة العمليات العسكرية والنيران القاسية التي لا تفرق بين المقاتل وغير المقاتل، والإرهابي وغير الإرهابي، والعمليات الانتقامية التي تمّ فيها تسوية عشرات الآلاف المنازل بالأرض بحجة مكافحة الإرهاب.
تدمير المنازل في العراق هو العلامة الفارقة للمحافظات الشرقية والغربية والشمالية من البلاد، والتي شهدت عمليات عسكرية مستمرة منذ عدة سنوات وحتى اليوم، ومنها مناطق حزام بغداد والأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين وغيرها. 
محافظة الأنبار كانت صاحبة حصة الأسد من الدمار، وزادت نسبة دمار بنيتها الفوقية والتحتية عن 80 %‏، والدور السكنية لم يتبق منها سوى 10 % صالحة للسكن في الفلوجة, أما في الرمادي فبلغ عدد المنازل المدمرة نحو 40 ألفا، وأن نحو 25 % من سكان الرمادي - العائدين إلى مدينتهم من النزوح- وجدوا أنفسهم في العراء بعدما عثروا على منازلهم وقد دمرت بالكامل، ووصلت نسبة الدمار في بعض أحياء الرمادي إلى 90 %، ومنها أحياء البكر والعادل والأندلس والحوز وغيرها. 
وقبل أسبوع أعلن وزير الهجرة والمهجرين بحكومة العراق، جاسم محمد أن "عدد النازحين منذ سنة 2014، وصل إلى حوالي خمسة ملايين، وقد عاد (2.1) مليون منهم إلى مناطقهم، وأن نحو(2.9) مليون شخص مايزالون نازحين، أكثرهم من الموصل، وأن هنالك صعوبات تعيق عودة النازحين إلى جزء كبير من الجانب الأيمن للموصل، جراء حجم الدمار الهائل في المدينة". 
معاناة مدينة الموصل لا تقل بشاعة عن مأساة الأنبار حيث إن أكثر من نصف الأحياء السكنية الـ(54) في القسم الغربي من المدينة تعرضت لدمار كبير، وقد وصفت الأمم المتحدة "خمسة عشر حياً من تلك الأحياء بشديدة التضرر، ووصفت 23 حياً آخر بمتوسطة التضرر"، أي أن نصف مبانيها قد دُمرت، وتقدر الأمم المتحدة الرقم الحقيقي للأبنية المدمرة في المدينة بنحو (32) ألف مبنى.
وفي ديالى أكد رئيس مجلس المحافظة علي الدايني، نهاية الأسبوع الماضي أن أكثر من عشرة آلاف منزل سكني دمرت داخل المحافظة بعد حزيران 2014 نصفها في جلولاء، (70 كم شمال شرق بعقوبة).
أما في صلاح الدين فلا توجد إحصائيات دقيقة، وسبق للمركز الوطني للعدالة (غير الحكومي) أن أكد العام 2015 أنه "يملك دلائل موثقة على أن ثمانية آلاف منزل داخل تكريت (160 كلم شمالي بغداد) تعرضت للنهب والسلب، ثم التدمير بالعبوات الناسفة". وفي ناحية عزيز بلد التابعة لصلاح الدين تمّ تدمير ستة آلاف منزل. وفي قضاء الدور أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش "حرق وتدمير أكثر من (950) منزلاً".
وسبق لتقارير صحفية أن أكدت أن "ما بين 80 و100 ألف منزل ووحدة سكنية دمرت بالكامل في الأنبار وكركوك وتكريت وبيجي وديالى وحزام بغداد، نتيجة العمليات العسكرية والإرهابية".
أما في جنوب العراق فمشاكل السكن بلغت مراحل متقدمة، وهنالك آلاف العوائل لا تملك سقفاً آمناً، ومنهم من يقتات على فتات موائد الآخرين، فما الذي قدمته هذه الحكومات للعراقيين؟!
هذه الإحصائيات الصاعقة تمثل بعض الحقيقة المُرة في المدن المدمرة نتيجة العمليات العسكرية والإرهابية، التي حرقت الأخضر واليابس، وأُخذ فيها البريء بجريرة المتهم، ودمرت المدن الآمنة بحجة ملاحقة "داعش"، وكلها دلائل على أن السياسات الطائفية هي الفيصل في إدارة هذه التحديات، وإلا لا يمكن تصور هذا العدد الهائل من الإرهابيين في العراق!
الأعداد المذهلة للمنازل المدمرة تؤكد أن القضية هي سياسة انتقام قبل أن تكون الغاية منها تخليص المدن من الإرهاب، وهذا ما أكدته التجارب الماضية والحالية في كيفية تعاطي غالبية الأجهزة الأمنية مع ملف الإرهاب في العراق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى