حروب الإهمال!





يوم اليتيم هو يوم مخصص للطفل اليتيم يُحتفل به في الجمعة الأولى من نيسان (أبريل) من كل عام. واليتيم هو من فقد أباه قبل أن يبلغ سن الحلم والبلوغ.
وفي منطقتنا العربية صرنا أمام ملايين اليتامى الذين نُزعت منهم السعادة وغابت عنهم الطمأنينة بعد أن اغتالت آلة الحروب النبع المتدفق للحنان والعطاء وهم الآباء، وصاروا بين ليلة وضحاها في عداد اليتامى.
وفي العراق لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد اليتامى بعد سنوات القتل والنحر لكل الأحياء بعد العام 2003، ولهذا نلحظ حالياً تناقضاً كبيراً في الأرقام الرسمية التي تُعلن بخصوص أعداد اليتامى.
في تموز 2016، أعلنت وزارة التخطيط العراقية، أن"عدد الأطفال الأيتام في العراق الذين تم تسجيلهم من سن صفر إلى 17 سنة، بلغ 600 ألف يتيم عدا محافظتي الأنبار ونينوى".
وسبق لرئيس لجنة حقوق الإنسان سليم الجبوري أن أعلن في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 أن "هناك أكثر من ثلاثة ملايين يتيم". فيما أكدت منظمة "اليونسيف" في عام 2013 وجود "أكثر من 6 ملايين يتيم".
فكم هي أعدادهم اليوم بعد المجازر التي وقعت في البلاد منذ أن سيطر"داعش" على الأنبار والموصل ومناطق واسعة من ديالى وصلاح الدين وكركوك؟
الأديان السماوية كافة دعت لكفالة اليتيم والعناية به، ففي ديننا الإسلامي هنالك عشرات النصوص التي تحث على هذا الفعل النبيل، ومنها قوله تعالى:" فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" (9) سورة الضحى. وكذلك قوله عز وجل:"أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)"، سورة الماعون.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كافل اليتيم معه في الجنة، فقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبَّابة والوسطى". وهذا الاهتمام باليتامى ورد كذلك في التوراة والإنجيل.
وفي الدستور العراقي نصت المادة (30): ثانياً: "تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن".
ورغم هذه القوانين السماوية والأرضية الحاثّة على العناية باليتامى نجد أن هذه الشريحة تتعرض في العراق لأبشع "حروب" الإهمال الحكومي، وسبق لصحيفة الغارديان البريطانية أن ذكرت في نهاية تموز (يوليو) 2011،  أن" ما لا يقل عن 150 طفلاً عراقياً يباعون سنوياً مقابل مبالغ تتراوح بين 200 و4000 جنيه إسترليني، وأن بعضهم يتحول إلى ضحايا للاستغلال الجنسي". 
واليوم نجد أن الإهمال لهذه الطبقة الضعيفة وصل لدرجات لا يمكن التغاضي عنها لأن إهمال هؤلاء هو تضييع لرجال المستقبل، وهم بالملايين، ولا يمكن تبرير إهمالهم بحجة أعدادهم الكبيرة لأنهم ضحايا الحروب والإرهاب والتآمر على البلاد.
حقائق الإهمال الحكومي أكدها وزير الشؤون الاجتماعية محمد السوداني في بداية شهر شباط (فبراير) 2017، حيث أشار إلى أن  "خفض الموازنة التشغيلية أثّر بشكل عام على دُوْر إيواء الأيتام التي تحتاج لخدمات مستمرة من نقل ووجبات غذائية ورعاية صحية".
وقبل اقل من شهر كشفت عضو لجنة الشؤون الاجتماعية النيابية فردوس ياسين أن"عدد الأيتام في البلاد بلغ خمسة ملايين يتيم، وأن هؤلاء لم ينصفوا بشمولهم في قانون الحماية الاجتماعية الذي يفترض أن يضم سبعة ملايين شخص من العاجزين والأرامل واليتامى، وأن القانون يضم حالياً مليونا و81 شخصاً فقط، بسبب قلة التخصيصات المالية"!
إن الطفل اليتيم ينشأ في مرحلة تمتاز بالضعف وهي الطفولة، فهو قبل أن يكون يتيماً فانه يعاني من ضعف مرحلة الطفولة، ولهذا نحن أمام كائن يملك ضعفاً مركباً بسبب الطفولة واليتم، وهذا يتطلب من المجتمع أن يمدّ يد العون لهذه الشريحة المهمة من اجل إخراجهم من حالة "الهم المركب المبكر" التي يعانون منها بسبب ويلات الحروب التي أفقدتهم نبعاً صافياً للحنان والعطاء والعناية.
إن كان لليتامى يوم واحد يُحتفل به في السنة، فهل يعني هذا أننا نضيّعهم بقية الأيام؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى